يوما بعد يوم تتوضح اسباب الصراع المتنامي بين اطراف التحالف الوطني الشيعي , المتمثلة بالسلطة والمال والجاه , قبل ان تكون مثل ما يدعون دفاعا عن المذهب وانتهاء عهد المظلومية لطائفتهم . والذي فجر الصراع اكثر هو استكمال الخطوات الدستورية في التوافق على رئاسة البرلمان من قبل السنة , ورئاسة الجمهورية من قبل الاكراد . وهو ما دفع الشيعة ليكونوا امام الامر الواقع الذي فرضته دولة القانون ورئيسها السيد المالكي وتشبثه برئاسة الوزراء للمرة الثالثة , رغم الواقع الاسود الذي خلفه للعراقيين برئاستيه الاولى والثانية . وهو ما يؤكد ان كل ما تظاهر به المالكي ودولة القانون في تبني الديمقراطية والفيدرالية والتوافق الوطني هي مجرد ادعاءات باطلة , لا بل وحتى في تشكيل التحالف الوطني الشيعي الذي جاء استجابة لمصلحة المالكي بالذات عندما احتاج لتمثل الفوز على علاوي في الدورة البرلمانية السابقة للحصول على رئاسته الثانية لمجلس الوزراء . وهو ما يؤكد عدم الوفاء لأحزاب قائمته التحالف الوطني الشيعي قبل التنكر لاتفاقاته مع الاطراف الوطنية الاخرى .
من جانب آخر اكد النائب عن كتلة المواطن سليم شوقي يوضح فيه :" تم تقديم طلبين لرئيس مجلس النواب سليم الجبوري , الاول كان من قبل التحالف الوطني بكافة كتله بما فيها كتلة المالكي باعتبار التحالف الوطني الكتلة الاكبر فيما قدم دولة القانون طلبا باعتباره الكتلة الاكبر ايضا " . لا فتا الى ان " رئيس المجلس اعتمد الطلب الاول وأرسله الى رئيس الجمهورية واعتذر عن الطلب الثاني لدولة القانون " . وأضاف شوقي ان :" رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وحرصا على احراز التوافق الوطني اتصل بالتحالف الوطني ودولة القانون لإجراء مباحثات معهما في هذا الخصوص ".
والسؤال هو : عن اي توافق وطني تتحدثون ؟! وهذا التحاصص الذي تسمونه توافق هو الذي اوصلنا لهذه اللحظة التاريخية التي تنذر بتقسيم العراق وإشعال الحروب الاهلية الطائفية والقومية بين ابناء الشعب الواحد . الجميع يدرك اننا في مفترق يقول " اما العراق , او المالكي " . ومن المخجل ان نبحث في هذا المفترق الحاد عن ادوار شخصية تسترشد بالوسطية . الوسطية في الظروف الاعتيادية مطلوبة بل وضرورية للف الجميع تحت راية المصلحة الوطنية المشتركة . نحن بين طريق المالكي الذي يصر على الانفراد بالسلطة حتى ولو على تمزيق العراق , وبين شعب يبحث عن امل في حكومة تدرك كيفية الخروج من هذا النفق المغلق من جهة الدستور المشوه , والمفتوح على التحاصص الطائفي للعملية السياسية . نحن شعب يريد ان يغلق فتحة الحصص الطائفية ويفتح جهة الدستور على المعاني الانسانية والحضارية , نحن نريد ان نكون بشرا . كل عاقل اذا كرر نفس التجربة الفاشلة وينتظر النجاح فهو مجنون , وفي احسن الاحوال مطي ( حمار ) , وهذا ينطبق على الشعوب والحركات السياسية . دورتين ولثمان سنوات ونحن ننحدر الى درك سحيق بسبب هذا التحاصص الطائفي القاتل , فهل يريد رئيس جمهوريتنا المحترم والذي فرحنا برئاسته لتاريخه الوطني وخبرته السياسية ودبلوماسيته , ان يقول لنا - اذا صدق النائب عن كتلة المواطن سليم شوقي وهو اقرب الى الصدق - ان محاولة الجمع بين الطرفين المتعاكسين بالكامل وإيجاد التنازلات بينهم هو الطريق الاسلم ؟! ام انه ترميم لضرورة استمرار التحاصص الطائفي والقومي . وهذا ليس من الدبلوماسية ولا الوسطية بشئ اكثر مما هو مساومة على استمرار تقاسم الحصص , واستباق لقرار المحكمة الاتحادية الذي سيحصل عليه المالكي بكونه القائمة الاكبر . وحتى ان حصل على هذا فلن ينجح لان الجميع ضده , سواء في الداخل بما فيها اغلب الاحزاب الشيعية , ام الخارج الامريكان والنظام الايراني . فهل كل هذا الاجماع على ازاحته لا يمتلك الحق امام قرار المحكمة التي يعرف الجميع انها تحت سيطرته ؟
العراقيون بحاجة الى طروحات توقف نزيفهم , وتلئم جراحهم , لا الى طروحات وسطية تبقي جراحاتهم تنزف . وليس غريبا ان يلفت احمد الجلبي نظر الكثير من العراقيين في بعض تصريحاته . احمد الجلبي يكاد ان يكون الوحيد الذي يركز في دعوته على عدم ذهاب سلبيات وجرائم المرحلة السابقة بدون حساب . بعكس المالكي الذي يدعو لتجاوز المرحلة السابقة بكل موبقاتها , وفتح صفحة جديدة للحصول على الولاية الثالثة , وان لم يحصل عليها فهي دعوة صريحة – وهنا تكمن المساومة – لعدم محاسبته على جميع الملفات التي ادت بوحدة العراق وأبقته بهذا الشكل المهلهل على ابواب الانهيار الكامل .
ان دعوة الجلبي هي ادانة لجميع الاحزاب المتنفذة والتي استمرئت الخراب وسكتت عنه لفوائدها الحزبية والشخصية , والذي يساوم على غلق ملفات وجرائم المرحلة السابقة فلا فائدة ترجى منه لمعالجة خطئ الطريق الذي سلكناه .
مقالات اخرى للكاتب