اثنا عشر عاماً من الفوضى والضبابية وعدم الوضوح لم يُفهم خلالها ما يدور في البلد من تفاعلات مالية واقتصادية ، ولم تمارس الوزارات والمؤسسات المالية المسؤولة دورها في إيضاح ذلك للشعب ، وانفردت السلطة السياسية بإدارة شؤون المال والاقتصاد خلافاً لمسؤولياتها القانونية والدستورية ، ولم تسمح لأية جهة اختصاصية من الاطلاع على ما يحصل ، ولم تدع أي من الاقتصاديين وخبراء وأساتذة العلوم الاقتصادية والمالية من معرفة ما يجري وكيفية التصرف بالموارد والعقود التي تبرم في المشاريع النفطية والعمرانية وكأن البلد أصبح ضيعة من ضياع أمراء القرون الوسطى ، يملكون كل شيء ولا يصيب الناس إلا الفتات .
وأصبح الجالسون على كراسي التسلط يتصرفون وكأنهم يديرون شركة تجارية فردية لا يحق لأحد أن يحاسبهم ولا قانون يردعهم ولا دستور ينظم ما لهم وما عليهم ولا ولاء للشعب والوطن يثنيهم عن الكسب والسباق من أجل الهيمنة والاستحواذ على كل ما يقع تحت تصرفهم من موارد الدولة ، وأصبحت الميزانية مشاعة بين أقطاب السلطة الذين توجههم الكتل السياسية والدينية التي ينتمون اليها ولديها من الحصانة والقوة والنفوذ ما يجعل الساحة ميداناً يصولون ويجولون فيها لجمع الثروات وتأسيس الشركات والبنوك الخاصة وشراء العقارات وبناء الفنادق والقصور وامتلاك الارصدة خارج البلد مع غياب القوانين التي تنظم أو تحدّ من استغلال المال العام لمصلحة الاحزاب والتكتلات السياسية والدينية حين بلغ تسرب المال العام بمليارات الدولارات الى قنوات مجهولة وحقق العراق موقعاً سيادياً في قائمة غسيل الاموال ، وأصبحت أسماء الذين دخلوا حلبة السياسة ينافسون أصحاب المليارات في الدول الرأسمالية ، فالخزينة الدسمة تحت تصرفهم يغرفون منها بلا حساب ، فعلى مدى أكثر من عشر سنوات لم يجر تقديم ميزانية ختامية عن نشاط أي من تلك السنوات وكأن البلد عبارة عن دكان بقالة لا يحتاج الى توثيق لحركة الايرادات والنفقات . واذا كان الاعلام العالمي ينقل إلينا أخباراً عن محاكمة رئيس دولة أو وزير متهم بالتجاوز على المال العام ببضعة آلاف أو أرقام أخرى لا تصل الى الملايين ، فإن العراق حقق سبقاً وتقدماً وأولوية في ان الاعلام العراقي والعربي والعالمي ينقل إلينا اخباراً عن سرقة بعض أقطاب السلطة مليارات الدولارات .
وبعد كل هذا الخراب وافراغ الميزانية وتسليمها خاوية في مرحلتها الحالية والتي لا زال لعاب البعض يسيل لها بانتظار اللقمة الدسمة التي قد يحالف بعضهم الحظ لازدرادها .. فان الدور جاء على المواطن بعد أن فرغت الميزانية ليتناولوه بالضرائب والرسوم والغرامات والاستقطاعات والغاء المخصصات وتقليص الرواتب والغاء عقود العاملين وايقاف المنافع والخدمات ورفع الاسعار وابتكارات وابداعات جهابذة علماء المالية والاقتصاد وترقيع الاقتصاد العراقي في وزارة المالية والبنك المركزي وعباقرتها الذين أثبتوا بالأمر الواقع جهلهم بأبسط قواعد الاقتصاد .
مقالات اخرى للكاتب