والسؤال : هل من جدوى للاستمرار في هكذا عملية سياسية ؟
واجزم انه لا يرجى خير للعراق ولا يأمل احد بشفائه ما دمنا لا نزال نسير وفق مخطط العملية السياسية التي مضى عليها عشر سنوات , ولم تثمر الا الاسوء في تاريخ العراق الحديث , اي منذ انعتاقنا من العثمانيين ولحد الآن . ورب من يقول : انها لم تكن اسوء من حكم البعث . وهو صحيح , ولا احد يشك ايضا من ان التمزق المجتمعي والانحدار الاخلاقي الذي وصلنا اليه , كانت بداية اشاعته وإشاعة الاسس التي توسع عليها هو في زمن البعث . الا ان التجربة اثبتت ان الذين جاءوا بعد صدام هم اضعف من ان يتمكنوا من ايقاف الانحدار , وبالعكس تمرغوا في وحل السلطة , ووجدوا في اشاعة الكذب والفساد واللصوصية الطريق الاسهل لاحتفاظهم بالسلطة . والمشكلة الآن هو لا يوجد طريق للتغيير مثل السابق , فلا وجود للجيش الذي يمكن ان يحسم الامور , ولا وجود لسياسيين متنفذين اكفاء تهمهم مصلحة الوطن يمكن ان يكونوا معارضة يساعدها الشعب في اسقاط النهج المدمر الحالي , ولا وجود لمرجعيات ثقافية واجتماعية ومناطقية يمكن الركون اليها , اذ اللهم فقط مرجعية النجف الاشرف , وهي التي مالت لانتخاب هؤلاء الذين سقطوا في ادارتهم للعراق في دورتين انتخابيتين . والاهم لا يوجد شعب يشعر بوحدة مصلحته المشتركة , وتحركه الوطنية قبل طائفيته وعشيرته وقوميته .
كل من يعتقد ان مجموع الطبقة السياسية العراقية المتنفذة , سوف تفسح في المجال لايجاد تشريعات تساعد تنظيمات وأحزاب الوطنيين ومن تهمهم مصلحة العراق فعلا للوصول الى مركز القرار , فهو واهم . واجزم ان ابرز ( عدوين ) المالكي وعلاوي , سوف يتعاونان بكل جوارحهما على ان لا يفسح المجال لأي وطني نزيه يمكن ان يكون ذات شأن , ويكفيهم صباح ساعدي واحد . ويمكن استرجاع كيف جرى العمل والتزوير لإبعاد الكثيرين , ومنهم رجل الدين ايضا اياد جمال الدين ومثال الآلوسي , او حميد مجيد موسى ومفيد الجزائري . هذه الطبقة اصبحت طبقة رأسمالية وسياسية متنفذة في بلد لا يمتلك اي مقوم من مقومات الديمقراطية , وتحولت الانتخابات بوجودهم الى اشبه بعرض القرقوز , وليس مسرحية يقدمها ممثلون يمتلكون الثقافة والأخلاق والحس المرهف . فكيف سيوافقون على التنازل عن السلطة التي اصبحت اساس مكونات وجودهم ؟!
بعيدا عن الدبلوماسية وكلمات الخير التي ( يجب ) ان تقال في توقيع الاتفاقية النووية بين ايران والخمسة زائد واحد , فهي بالتأكيد جيدة بشكل عام , ولكن الذي يهمنا كعراقيين الاتفاقات السياسية الملحقة بها لتقاسم النفوذ في المنطقة , والتي ستكون بالتأكيد ( ايضا ) على حساب الضعفاء . ولا يوجد اضعف من العراق حاليا في المنطقة , فلا توجد دولة تستطيع الدفاع عن وحدة المصالح ونظام البلد ( هذا اذا كان عندنا نظام ), بل حكومة ضعيفة لا تمتلك وحدة قرار , ووزرائها يتبعون احزابهم , ومنخورة بالفساد واللصوصية . واذا كنا نأمل ان تفلت بعض الاحزاب الشيعية في الانتخابات القادمة من سطوة النظام الايراني وتنهض اكثر بمواقفها العراقية وتكسر السيطرة الطائفية نتيجة استمرار الضغوط على ايران من قبل الغرب , فان توقيع الاتفاقية قد مكن ايران من السيطرة اكثر على اسس المعادلة الطائفية في العملية السياسية , وهي ما تتناسب ايضا مع رغبة الراعي الاكبر الامريكان .
لا احد ينكر صعوبة الطريق للقوى العراقية الحقيقية , ولعموم الشعب الذي لا يعرف اغلبه الى اين تسير سفينته . ففي ظل هذه العملية السياسية وحراسها من الطائفيين والقوميين , وعرابيها الامريكي والايراني , لن نرى الضوء في نهاية النفق كما يقولون , ومن المعلوم ان الاتفاق على ترتيب امور المنطقة سينعكس على الحالة الامنية التي ستكون افضل . ولكن بعد تحقيق التحسن في الامن , هل سيوعز العرابان لحراس العملية السياسية بالالتفات ل ( النهوض ) بالعراق وتطوير العملية الديمقراطية الفيدرالية ؟! ام ان بقاء العراق تحت نفوذيهما بالكامل وفاقد لمشروعه الوطني افضل ؟
لم يبق امامنا غير تكامل قدرات شعبنا في تغيير اسس العملية السياسية , و( عسى ) ان يحقق شعبنا بوادر هذا التغيير في الانتخابات القادمة .
مقالات اخرى للكاتب