الفساد المالي والإداري الذي أصبح الداء المزمن الذي يعاني منه العراق والذي استشرى في كل وزارات ومؤسسات الدولة ومفاصلها وحتى مؤسساتها العسكرية والأمنية التي من المفروض أن تكون أكثر نزاهة من غيرها إلا أنها ابتلت بهذا الداء اللعين مثل غيرها من مؤسسات الدولة الأخرى وقد صنف العراق من بين أكثر الدول فساداٌ في العالم وفق تصنيف تقارير جميع المنظمات الدولية التي تعني بأمور الفساد في العالم ولازم هذا التصنيف العراق منذ الاحتلال الأمريكي الى يومنا هذا بفضل السياسيين الفاسدين والفاشلين الذين هيمنوا على مقاليد هذا البلد فسرقوا أمواله ونهبوا ثرواته وضيعوا شعبه ودمروا نسيجه الاجتماعي ولحمته الوطنية وفرطوا حتى بترابه فدمروا البلاد والعباد ورغم حجم الفساد واتساع نطاقه وتعدد وسائله ورغم السرقات الكبرى لأموال الشعب وثروات الوطن التي جعلت من بلدنا الغني من أفقر دول العالم.
ومع هذا كله فان الحكومة العراقية عاجزة عن وضع حد لهذا الفساد و كشف عمليات الفساد الكبرى والسرقات المستمرة ومحاسبة الفاسدين والسراق وتقديمهم للقضاء لينالوا عقابهم المستحق وليتم فضحهم أمام الشعب ومن ثم استعادة أموال الشعب المنهوبة منهم لان حيتان الفساد ورؤوسه الكبيرة ومافياته هم من كبار السياسيين المتنفذين وحواشيهم وسماسرتهم المحميين بميليشياتهم وكتلهم والمحميين كذلك من قبل المؤسسات التي أوكلت لها مهام محاربة الفساد ومن بعض القضاة الفاسدين مثلهم وكل ما نسمعه عن محاربة الفساد من قبل الحكومة وأجهزتها ما هو إلا تخدير للشعب إن لم يكن ضحكاً على الذقون فالدولة وأجهزتها الرقابية والقضائية عاجزة عن ذلك لان رؤوس الفساد أكبر من إمكانيات هذه الأجهزة التي جاءت بالمحاصصة الحزبية والطائفية وكل رؤسائها وأعضائها من الأحزاب المسؤولة عن الفساد والمتهمة به فكيف يحاسب المسؤول في هذه الأجهزة رئيس كتلته الذي عينه بهذا المنصب أو وزميله في الحزب والكتلة الذي ساعد في وصوله الى هذا المنصب وفق المحاصصة في توزيع المناصب على الكتل والأحزاب لذلك فلا كشف لعمليات الفساد الكبرى ولا محاسبة للفاسدين الكبار في ظل نظام المحاصصة في المناصب الحكومية وكل ما نسمعه عن إجراءات الحكومة وأجهزتها الرقابية في محاسبة الفاسدين وكشف عمليات الفساد إنما تطال الموظفين الصغار والسرقات البسيطة في بعض الدوائر الحكومية أما كبار الفاسدين وحواشيهم وعوائلهم ومقربيهم الذين ينعمون بسرقة أموال الدولة وبأعمال الفساد المالي والإداري فهم (خط أحمر) لا يمكن للحكومة ولا لأجهزتها مهما كانت قـوتها أن تتخطاه.
فمن يحارب الفساد إذن ؟ ومن يحاسب الفاسدين ويتصدى لهم ويقتص منهم ويعيد أموال الشعب التي نهبوها إذا كانت الحكومة وأجهزتها الرقابية والقضائية وحتى مجلس النواب ولجانه ممثلة بلجنة النزاهة البرلمانية وغيرها ولجنة النزاهة التي يسمونها مستقلة وغيرها من الدوائر عاجزة عن ذلك ؟ لا أحد يستطيع ذلك في ظل المحاصصة الحزبية والطائفية والتوافقات السياسية التي يدار بها البلد وتدار به العملية السياسية والتي يتم فيها تقسيم المناصب الوزارية والقضائية واللجان المسماة بالمستقلة وهي غير مستقلة ولجان مجلس النواب ومجلس الوزراء بين الأحزاب المتنفذة فتصبح العملية السياسية عبارة عن تقاسم للمناصب المهمة والغنائم الدسمة والمكاسب الكبيرة لا إدارة دولة ولا حكومة وحدة وطنية تراعي مصلحة الوطن والشعب لكن عبارة عن عملية تقاسم نفوذ ومناصب ومصالح مشتركة تخضع لنظرية (شيلني وأشيلك وغطيلي وأغطيلك) عند ذاك يصبح السراق والفاسدون في منأى عن الحساب والعقاب وتستمر عمليات الفساد والسرقات دون أن تستطيع كل الأجهزة واللجان التي اتفق السياسيون على تشكيلها من العمل بحرية وشفافية وحيادية ومن أجل حماية أموال الشعب وثروات الوطن والمحافظة عليها من السرقة ومن عمليات الفساد كما أوهموا الشعب بذلك وتبقى هذه اللجان والهيئات التي تم تشكيلها وصرفت عليها مليارات الدولارات كمقرات ورواتب وحمايات وعجلات مجرد تسميات رنانة كهيئة النزاهة المستقلة ولجنة النزاهة البرلمانية وديوان الرقابة المالية والمفتشون العامون في الوزارات ومحاكم النزاهة وغيرها من الأجهزة الحكومية واللجان البرلمانية بدون فعالية حقيقية أو فائدة لأنها لا حول لها ولا قوة كونها تخضع لإرادات أحزبها وكتلها لا لإرادة وطنية حقيقية ولا لإرادة الشعب وتعمل من أجل مصالح أحزابها وكتلها لا من أجل مصلحة الوطن والشعب ولهذا فلا حساب للفاسدين ولا تصدي لعمليات الفساد الكبرى ولا كشف لحيتان الفساد التي استأثرت بأموال الشعب وسرقت ثروات الوطن في ظل المحاصصة المقيتة .
مقالات اخرى للكاتب