المقدمة
منذ القدم والعراق يسمى وادي الرافدين وارض السواد والزراعي وبلاد القمح وارض النخيل والارض الخضراء والبساط الاخضر ... وازدهرت الزراعة على مختلف العصور والازمان ومنذ العهد العباسي والى سنوات قريبة جرى الاهتمام بالمشاريع الاروائية والتي تنقل المياه الى اراضي زراعية شاسعة بطريقة السيح والنواعير وسد الانهر لترتفع المياه وتنحصر ، وجمع مياه الامطار في البرك والواحات واخيراً عن طريق المضخات الزراعية والمولدات وبناء السدود.
قبل الحصار كان العراق يحقق الاكتفاء الذاتي من الخضار والفواكه والحليب ،إذ لم تكن الكمية المستوردة من هذه المواد تشكل في العام 1988سوى 6%من الطلب الداخلي. وتغطي اذن النسبة المتبقية من قبل الانتاج المحلي .ثم تدهور هذا الانتاج تحت تأثير العقوبات الاقتصادية .وبالمقابل ظل البلد يعاني عشرات السنين من التبعية للخارج فيما يتعلق بالمنتوجات الزراعية خاصة الحبوب مثل القمح.
على الرغم من ذلك كان هناك بعض النشاطات التي تهتم بالزراعة نوعاً ما، حيث جرى الاهتمام بالتنمية الزراعية وفق خطط سنوية اعدتها وزارة التخطيط والمجلس الزراعي الاعلى ... كما وفرت للفلاحين المياه والكهرباء والبذور المحسنة والمبيدات واللقاحات والعلف والسماد الكيمياوي بأنواعه ثم بناء عدة مصانع للسماد والكيمياوي في (عكاشات وابو الخصيب والموصل ) واصبح العراق من اكبر الدول المصدرة للسماد الكيمياوي والصين كانت اكبر مستوردة له بعد البترول ، وغيرها من النشاطات.
اما بعد 2003 فأن الزراعة تدهورت وانحدرت نحو الهاوية بعد ازدهارها فلم تعد الجهات المختصة تعير أي اهتمام للزراعة وهي الأن تمر بأسوأ مراحلها. حتى وزارة الزراعة والموارد المائية فكان الامر لايعنيهما .ومن الاسباب التي أدت الى تدني المستوى الزراعة والانتاج الزراعي وهجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب الجوع والبطالة.
أقدم تاريخ في الوجود وأعظم حضارة في تاريخ البشرية :-
ان الانسان العراقي القديم يقف وراء التطور الحضاري المشهود في العراق وهو صاحب التطور النوعي للمجتمع والانتقال التاريخي به من البدائية الى الحضارة والمدنية، لكنهم ينكرون عليه التطور اللاحق الذي ظهر في الالف الرابع ق.م ، على الرغم من انهم لم يعثروا حتى الان على موقع واحد في العالم يزامن المواقع الحضارية العراقية او يبلغ ما بلغته من ابداع حضاري على ايدي سكانها من سومريين واكديين وغيرهم من الاقوام التي سكنت بلاد وادي الرافدين في تلك الازمنة المبكرة من التاريخ.
بتبادل الخبرة وانصهار الافكار ظهرت حضارة العراق ونمت وتطورت في العصور التاريخية .ان القرى الاولى ظهرت بجهود الانسان العراقي وهو الذي طور انماط الحياة فيها وابتكر حاجاتها الاساسية وهو الذي ابتكر الكتابة وادخل البشرية فيما يعرف بالعصور التاريخية او(عصر فجر التاريخ3000سنة ق.م) ، حيث تطورت قرى كثيرة الى مدن شهدت ظهور اول اشكال السلطة (السلالات الحاكمة) او عصر دويلات المدن السومرية مثل كيش والوركاء و أور و لكش و اوما.
تطور التاريخ في العراق:-
تطور نشاط الانسان الاول في العراق عبر العصور الثلاثة التي اصطلح عليها المؤرخون (العصر الحجري القديم ،والاوسط ، والحديث) ،وبدأ انتقاله التاريخي من الالتقاط والصيد الى الزراعة والتدجين وظهر اثر هذا في نضج كفاءة الاداء والعمل ،اذ بدأت مصنعاته من الالات تتنوع لتلائم شكل الانتاج وتتحسن من حيث المواد الاولية والمظهر الخارجي والكفاءة لتلائم حاجاته الاجتماعية والذوقية.
في العقدين الاخيرين من الالف العاشر ظهرت القرى الزراعية التي كشفت طبقاتها الاولى عن نشاط زراعي حيواني منتظم وكشف عن استقرار اجتماعي منفتح عرف مستوى من الترف .وهكذا ازدهر الاستقرار الاجتماعي في مئات القرى الزراعية . وتنوعت مصادر الانتاج والوسائل المستخدمة فيه.
وان وفرة مياه نهري دجلة والفرات وخصوبة اغلب الاراضي العراقية ساعدها على ان تكون من افضل المناطق الزراعية عبر مر العصور فكان العراق ذا فرص استقرار حضاري رفيع .
ازمة الزراعة في العراق :-
منذ ان اصبحت ايرادات النفط في العراق مصدراً اساسياً لمالية الدولة الداخلية والخارجية اتجه القطاع الزراعي نحو الاعتماد عليها من جانبين ،اولهما استيراد الادوات المختلفة اللازمة للانتاج ،وثانيهما استيراد المواد الغذائية الجاهزة للاستهلاك المحلي .فكلما زادت هذه الايرادات ارتفعت المقدرة على استيراد الادوات الانتاجية والمواد الاستهلاكية ،والعكس بالعكس.
لكن تحت تأثير العوامل السياسية استخدمت العوائد النفطية بالمقام الاول لتمويل الانفاق العسكري ،كما اسهمت بفعل السياسات الاقتصادية المتبعة منذ عدة عقود مساهمة فاعلة في تحويل الاقتصاد العراقي الى استهلاكي .
بالنتيجة النهائية لا تشكل الاراضي المزروعة فعلاً سوى نسبة ضئيلة من المساحة الكلية ،علماً بأن المقدرة المالية كبيرة واليد العاملة والاطر الفنية متوفرة والمصادر المائية كافية .ان الاراضي الصالحة للزراعة لا تتعدى 11.5مليون هكتار اي26% من المساحة الكلية للدولة . اما الاراضي المزروعة فعلاً فلا تتجاوز 5.5ملايين هكتار أي48% من المساحة الكلية ، في حين يشكل حجم المياه في العراق ت ربع المياه المتاحة في العالم العربي، رغم المشاكل التي تثيرها تركيا حيث منابع دجلة والفرات.
وقاد تحديد مستوى اسعار المواد الغذائية من قبل الحكومة في فترات غير مناسبة الى اضعاف الاستثمارات الزراعية ،كما ازدادت الهجرة الى المدن نتيجة تدني الخدمات التعليمية والصحية في الريف ،فانخفض عدد العمال الزراعين انخفاضاً كبيراً.
بفعل هذه العوامل ارتفعت الواردات الزراعية حتى اصبحت التغذية تابعة للخارج بصورة شبه كلية . وحتى نهاية الثمانينيات لم تكن هذه التبعية تسترعي اهتمام المسؤولين إلا بالشعارات التي كانت تدعو الى ضرورة تنويع مصادر الناتج المحلي الاجمالي .ولم يشعر العراقيون طيلة سنوات الحرب ضد ايران بنقص الامدادات الغذائية ، رغم التأثير السلبي للانفاق العسكري والعمليات الحربية على التنمية الاقتصادية بصورة عامة والانتاج الزراعي بصورة خاصة.ولما كانت العوائد النفطية غير كافية لتمويل هذه الحرب التي انهكت الاقتصاد لمدة ثماني سنوات بات من اللازم الاقتراض من الخارج لدفع الفاتورة العسكرية واستيراد المواد الغذائية والمعدات الصحية .عندئذ اسهم اهمال القطاع الزراعي في تراكم الديون الخارجية التي كانت المشكلة المالية الاولى للبلد آنذاك.
وفي عام1990 هبطت ايرادات النفط وانقطع التمويل الخارجي ، فتراجعت الى حد بعيدامكانية استيراد الالات الزراعية والمادة الغذائية ، واصبح الاهتمام بالزراعة ضرورة تقتضيها حياة وصحة المواطنين. وبسبب طبيعة العقوبات الاقتصادية وارتفاع معد التبعية الغذائية للخارج لم تقد الجهود المبذولة الى تحسن كفاءة القطاع الزراعي.
الوضع الاقتصادي المتدهور وهجرة السكان من الريف الى المدينة:-
شهدت العديد من المدن العراقية اخيراً عمليات نزوح واسعة للأسر الفلاحية التي تدهورت حالتها المعيشية بعد التوقف الكامل لجميع البرامج المساندة لهذا القطاع .لقد كان الفلاح يعتمد على المؤسسات الحكومية من حيث توفير البذور والاسمدة والمكائن الزراعية بشكل مدعوم اضافة الى توفير بعض مستلزمات الزراعة والتسويق وماء السقي والطاقة ومكائن الضخ ،والآن اصبح الفلاح يعتمد على قدراته الذاتية لأجل توفيرها وهي مكلفة جداً وقد تكون مستحيلة على الكثير من الفلاحين وبشكل ارغمهم على ترك الارض لفترة طويلة على امل عودة الجهات المعنية الى استئناف نشاطهم الداعم . كما ان الانشطة الزراعية في العراق تمكنت خلال العقود الماضية من سد الحاجة المحلية للبلد وكذلك للتصدير الى الدول الاخرى وحسب نوع الانتاج . وهناك المحاصيل الزراعية لانتاج مختلف انواع الحبوب والخضار ونباتات المواد الاولية المنتجة للزيوت اضافة الى منتجات الاشجار المثمرة مثل النخيل والفواكه وغيرها والتي تضررت كثيراً لعدم اجراء حملات المكافحة بالطيران وتوفير الاسمدة التي كانت معضهما تنتج محلياً. ان هناك العديد من العائلات تركت قرى واتجهت للمدن القريبة سعياً وراء الرزق ، وقد عمد البعض منهم على تصفية ممتلكاته وبيع جزء من الارض بهدف شراء دار في المدينة ،وكذلك البدء بمشاريع اخرى تدر عليه مكاسب مادية مثل شراء مركبات للنقل الخاص او مركبات حمل وغيرها من المشاريع .
ان من اهم اسباب هجرة السكان من الريف للمدينة هو بعد القرى عن الخدمات الطبية والتربوية والاهمال الذي اصاب الريف العراقي وغيرها.
إنحدار تنازلي في مستويات الزراعة :-
تعاني الزراعة في العراق من وضع متدهور ، فأن نقص المياه وارتفاع مستويات الملوحة والتصحر له اثر كبير وسلبي على الانتاج الزراعي.
اما الحروب والحصار ونقص الاستثمار واستمرار العمليات العسكرية وتقطيع الاشجار لجمع الحطب واخيراً الاحتلال قد اصابت القطاع الزراعي في العراق بالشلل وتسببت هي الاخرى في رفع نسب الملوحة والتصحر الى مستويات مخيفة جداً.
تؤثر الملوحة على 40% من الاراضي الزراعية ،خصوصاً في وسط وجنوب العراق ،في حين تصحر مابين 40%و50%مما كان يشكل اراضي زراعية في السبعينيات.
ظاهرة التصحر هي تدهور الاراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة . وينتج التصحر اساساً عن الانشطة البشرية والتغيرات المناخية .ويحدث غالباً بسبب الاستغلال المفرط والاستخدام غير المناسب للانظمة الايكولوجية للاراضي الجافة التي تغطي اكثر من ثلث مساحة اليابسة في العالم.
ويمكن للفقر وعدم الاستقرار السياسي وعمليات ازالة الغابات والرعي المفرط وسوء اساليب الري ان يضر بالقدرة الانتاجية للاراضي . اما الملوحة في الاراضي الزراعية قد تفاقمت في السنوات الاخيرة بسبب استخدام المياه المالحة في ري الاراضي وسوء تصريف المياه مما جعلها اقل انتاجية .التملح هو عملية تؤدي الى زيادة في الاملاح القابلة للذوبان في التربة .وقد بدأت مساحات كبيرة من الاراضي تتحول الى صحراء ،مما ادى الى لجوء الكثير من المزارعين لمغادرة الارياف والتوجه الى المدن او المناطق القريبة منها .وبدأ الناس يستوردون كل احتياجاتهم من المواد الغذائية تقريباً،، بينما كان العراق في الخمسينيات واحداً من عدد قليل من البلدان المصدرة للحبوب في المنطقة.
ان التحديات تتجاوز قدرة الحكومة على التعامل معهما، اذ يحتاج القطاع الزراعي لمبالغ ضخمة للاستثمار في التقنيات الحديثة قبل ان نتمكن من الحصول على اية نتائج ايجابية.وان هذا لا يمكن ان يتحقق الا عن طريق القطاع الخاص والاستثمار الاجنبي.
تطور الكفاءة الزراعية للعراق خلال السنوات 1980،1989،2000:-
عام 1980: بلغت مساهمة الناتج الزراعي 5.69% من الناتج المحلي الاجمالي . وكانت مساهمة العمال الزراعيين تشكل 30.44% من العمالة الكلية . انها درجة ضعيفة جداً مقارنة بالمعدل العام للكفاءة في البلدان العربية الاخرى ، بما فيها الدول التي تعاني من ندرة الموارد المائية وضعف المقدرة المالية ، فهي تدل على تدني انتاجية العمال الزراعيين وعدم اعتناء السياسة الاقتصادية بالانتاج الزراعي الذي لايشكل سوى نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الاجمالي.
عام1989: زادت مساهمة الناتج الزراعي لتصل الى 13.71% من الناتج المحلي الاجمالي ، وبالمقابل هبطت نسبة العمال الزراعيين الى21.92% من العمالة الكلية، وادى هذا الى ارتفاع الكفاءة الزراعية
21.92÷13.71=0.62
اقتربت الكفاءة الزراعية العراقية من متوسط الكفاءة الزراعية العربية ، مع العلم ان العراق خاض حرباً لمدة طويلة ضد ايران أثرت بشدة على جميع القطاعات الانتاجية .
عام2000: استمر انخفاض عدد العمال الزراعيين حتى بلغ 12.61% من العمالة الكلية .لكن الناتج الزراعي ارتفع ارتفاعاً هائلاً ومثيراً للتساؤلات ليصل الى 26848مليون دولار أي 32.10% من الناتج المحلي الاجمالي .
32.10÷12.61=2.54
في حين ان متوسط الكفاءة في العالم العربي 0.55% وفق هذه المعطيات سجل العراق الرقم القياسي العربي .فأصبح نصيب العراقي من الناتج الزراعي يعادل11.77% دولار في السنة .وبالمقابل لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج الزراعي في الدول العربية 298دولار في السنة .بات نصيب الفرد العراقي يحتل المرتبة العربية الاولى ويليه مباشرة نصيب الاماراتي بمبلغ 651دولار في السنة.
يعتمد ارتفاع الكفاءة على متغيرين ،اولهما هبوط عدد العمال الزراعيين وثانيهما زيادة الانتاج الزراعي. وانخفاض عدد هؤلاء لايقتصر على العراق بل شمل جميع البلدان العربية نتيجة تفاقم البطالة في الريف وتزايد الهجرة الى المدن ،ودرجة الكفاءة العليا لا تعني بالضرورة تحسن الوضع الغذائي ،فقد ينخفض الانتاج الزراعي ومع ذلك ترتفع الكفاءة ان تقلصت مساهمة اليد العاملة الزراعية في العمالة الكلية بنسبة تفوق نسبة تقلص الانتاج الزراعي ،لكن لم يحدث هذا في العراق.
ان ارتفاع الكفاءة العراقية يأتي من استخدام الاساليب العلمية و التكنلوجية الحديثة والمواد الملائمة لمراحل الانتاج ومن تحسن انتاجية العمال الزراعيين ،ولكن لم يحدث هذا ايضاً ،اذ تتطلب هذه الجهود فترة طويلة ترصد لها اموال طائلة غير متوفرة لدى البلد.
خطر الجفاف يهدد الزراعة في العراق :- (بعد 9/4/2003)
ان انحباس الامطار وتأخر سقوطها خطر جداً ، الامر الذي يهدد الاراضي الزراعية بالجفاف ويزيد معاناة المزارعين ، فضلاً عن الصعوبات المهنية والامنية ،حتى ان هطول الامطار في بعض الاحيان لا يروي الارض مما يجعل البذور المغروسة في الشتاء تتعرض للتعفن او تأكلها الطيور .
ان شحة الامطار تؤدي الى انخفاض انتاج المحاصيل وذلك له اثر سيئ جداً على المحاصيل والماشية ..وبالتالي ستلحق ضرراً بالسدود والابار.
في العراق يعتمد مزارعي المناطق الوسطى والجنوبية على الري من ماء دجلة والفرات المخزون في السدود ، اما اقليم كردستان العراق فأن تساقط الثلوج يساعد كثيراُ المزارعين في ري الاراضي الزراعية .
ان التغيرات المناخية تعتبر مشكلة للعالم اجمع حيث هناك مناطق جافة من العالم تنعم بالامطار فيما حرمت مناطق اخرى (زراعية ) منها. اما غرب العراق فتأخر سقوط الامطار يشكل عقبة كبيرة بوجه الزراعة .
بالاضافة الى مشكلة النقص في الامطار فأن القطاع الزراعي يعاني من عدة مشكلات تفاقمت بعد الغزو الامريكي للبلاد في2003، كما ان الاوضاع اصبحت افضل مما كانت عليه لكن ل اتزال هناك مشكلات عديدة تتعلق بالزراعة مثل نقص الكهرباء والطرق الرديئة و الاوضاع الامنية . ان معظم الاراضي في وسط وجنوب البلاد مالحة و لا يمكن استخدام اسمدة فيها مما يؤدي الى حرمان البلاد من حاجتها من الانتاج الزراعي.
فضلاً عن ان القطاع الزراعي الراقي بحاجة الى معدات واصناف نباتية افضل ، وعلى الرغم من التحسن التدريجي في الوضع الامني يجب ضمان امن الطرقات لإيصال المحاصيل الزراعية الى الاسواق.
وتمثل التمور المنتج الزراعي الوحيد الذي يصدره العراق لكن هذه الزراعة تعرضت لأضرار جراء العمليات العسكرية واعمال العنف.
ان مزارعي التمور يعانون مشاكل كثيرة فالملايين من الاشجار بحاجة للتلقيح اضافة الى تراجع محاصيل الاشجار.
فمن الضروري اعادة صناعة التمور الى سابق عهدها وذلك سيتطلب الكثير من العمل . فيحتاج الى اعتماد الاراضي الزراعية على طرق جديدة واساليب حديثة لزيادة اعداد اشجار النخيل التي تراجع عددها الى11 مليوناً قبل العام2003. ان العراق لا يحصل على ما يكفي من المنتجات الزراعية على الرغم من اراضيه الاكثر خصوبة في الشرق الاوسط ،فالعراق يعتمد على الاغذية المستوردة من بلدان اخرى.
الزراعة بعد الاحتلال:-
ان ضعف مستويات المسئولين الفنيين والاداريين وانعدام خبراتهم ادت الى ازمة كبيرة وتدهور وتدني الزراعة فنتج عنها الازمات الزراعية التالية :-
1- شحة المياه – ومن اسبابها عدم حصول العراق على حصته المائية من دون المصادر المائية نتيجة مصالح دولية تفرض على دولة العراق وكذلك سد ايران لكل المنافذ الأروائية للانهر العراقية التي مصدر مياهها ايران وسد منافذ هور الحويزة في ميسان ادى الى جفاف الاراضي وهجرة السكان وكذلك ضعف الخطة الاروائية في توزيع الحصص المائية على الفلاحين.
2- ازدياد ملوحة الاراضي نتيجة شحة المياه وتلوثها بسبب قطع ايران لمياه الانهر والروافد والجداول الواردة من ايران وكذلك من نهر الكارون الايراني المياه الملوثة في شط العرب مما زاد الملوحة في المياه واراضي البساتين والزراعة نتيجة السقي بالمياه الملوثة وفي نهر دجلة ازدياد نسبة الكيمياوية الصناعية التي تصب فيه من المخلفات الصناعية.
3-عدم اهتمام الزراعة بالزراعة نتيجة عدم وضع خطة زراعية عقلانية ولم توفر المستلزمات المطلوبة للفلاحين والمشكلة عدم خبرة المسئولين وانما المحاصصة السياسية التي بموجبها وزعت المناصب الوزارية على المشاركين في العملية السياسية.
4- انقطاع التيار الكهربائي المستمر الذي له التأثير الكبير على تشغيل مضخات المياه وعدم سقي المزارع والبساتين لعدة ايام مما يسبب تلف المزروعات والبساتين.
5- ارتفاع اسعار البذور وعدم صلاحية بعضها لكونها تالفة لعدم فحصها في مختبرات السيطرة النوعية ،ولذلك يكون الانتاج الزراعي قليل ،ولم تقم وزارة الزراعة بتوزيع البذور على المزارعين .
6- ارتفاع اسعار السماد الكيمياوي وعدم صلاحية بعضه خاصة الايراني والاردني وتوقف الشركات المنتجة للسماد ، وقد وصل سعر الطن الواحد الى(500)الف دينار وارتفاع سعره يزيد من كلفة انتاج الخضر . اما الزراعة المغطاة فأنها تحتاج الى كميات كبيرة من السماد.
7-ارتفاع اسعار النايلون لتوقف المعامل عن انتاجه في العراق والمتوفر في الاسواق مستورد بواسطة التجار واسعاره العالية.
8-ارتفاع اسعار المبيدات واللقاحات واغلبها تالفة وغير صالحة للاستعمال وتلوث التربة وبدلاً من اتلافها في بلدان صناعتها يشتريها التجار ،والمتضرر الوحيد هو الفلاح المسكين.
9- ارتفاع اسعار المكائن والمعدات الزراعية المستوردة والتي كانت سابقاً تباع للمزارعين بأسعار مدعومة وبعضها مجاناً.
10- ارتفاع اسعار الوقود واجور النقل وقد ازدادت الاسعار بشكل خيالي ،وبأسعار تجارية وهذا يسبب زيادة كلفة الانتاج ولا ينافس المنتجات الزراعية المستوردة لا سعراً ولا نوعية.
11- منافسة المواد الزراعية المستوردة من الخضر والفواكه لرخص اسعارها وجودتها قياساً للمنتوج المحلي.
12- هجرة الفلاحين الى المدينة وتركهم الاراضي الزراعية مما سبب انخفاض الانتاج الزراعي.
13- احراق مروحيات قوات الاحتلال للبساتين والاراضي الزراعية خاصة مزارع القمح في الموصل بإلقاء الاقراص الحرارية التي تسبب الحرائق.
14- لم تضع وزارة الزراعة خطة للموازنة وحماية المستهلك والمنتج من تقلبات السوق والامراض، وانما البنك الدولي تدخل حتى في مثل هذه الامور ...فقد اصبحت البلاد رهناً له.
15- وزارة الزراعة لا تدعم الزراعة اطلاقاً و لا تشجع اصحاب المشاريع الزراعية الناجحة بتقديم بعض البذور والمبيدات واللقاحات والادوات الزراعية لدفعهم على تحسين منتوجهم.
16- لم يزور احد من المسئولين الجدد لا حقلاً زراعياً ولا مزرعة خاصة للاطلاع على اوضاع الزراعة.
ان الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال وحكومته تجاه الشعب العراقي كثيرة، اما الجريم التي ارتكبوها تجاه الامن الزراعي فأنها تدل على خيانة عظمى تجاه المواطن منتجاً او مستهلكاً وتجاه الاقتصاد الوطني لأنها سببت تلف الانتاج الزراعي وخسارة كبيرة للمزارعين ، وكان المشاركون في العملية السياسية ادوات لتنفيذ خطة زراعية لخدمة دول الجوار على حساب العراق.
ما العمــــــــــل ؟؟
بلغت ازمة الزراعة والتغذية درجة عالية في الخطورة تتطلب معالجتها فترة طويلة وجهوداً جبارة وعودة العراق الى سابق عهده وفيما يلي محاولة لتخفيف من حدتها :-
1-سياسة ملائمة الاسعار:
يجب على الحكومة اولاً ان تحدد سعراً معيناً لكل مادة استهلاكية بما فيها الزراعية وهذا يدعى بالتثبيت. فالتثبيت يهدف الى تمكين جميع شرائح المجتمع من اقتناء المواد بأسعار مناسبة، هذه السياسة قد تؤدي الى اضعاف دخول المزارعين وتساهم في الهجرة الى المدن ..لكنها سياسة مناسبة اذ ينبغي في الوقت الحاضر تثبيت الاسعار بما يناسب القوة الشرائية مع منح اعانات للمزارعين تهدف الى مواصلة وتطوير الانتاج.
بطبيعة الحال يستوجب التثبيت زيادة الانفاق العام لكن هذا الاستخدام للموارد المالية يعود بالنفع العام ، كما لا تتخذ الاعانات بالضرورة شكلاً نقدياً بل قد يكون عينية ، مثل بيع الاسمدة وتأجير الالات باسعار زهيدة وحماية المنتجات الزراعية من الامراض وتلقيح الحيوانات وتقديم الارشاد الفني مجاناً ،، تقود هذه الوسائل الى زيادة القيمة المضافة للانتاج المحلي الاجمالي ولا يجوز التخلي عن سياسة التسعيرة الاجبارية والاعانات الا بعد تحسن مستوى الدخول الحقيقية ،عندئذ يمكن تحرير الاسعار وفق ما يسمى في الدول العربية غير النفطية بالاصلاح الاقتصادي ، ولكن يجب ان لا تتنازل الدولة عن التدخل لتوفير الظروف الملائمة للانتاج الزراعي.
2- تنمية الاستثمارات الزراعية:-
ينجم ضعف غلة الهكتار وضألة الانتاج الزراعي عن عدم الاعتماد على التقدم العلمي في الاساليب الزراعية وعن ندرة المكننة الحديثة وعدم توفير الرعاية البيطيرية والمبيدات ،ولا يمكن مواجهة هذه المشاكل الا عن طريق تنمية الاستثمارات بثلاث وسائل في ان واحد:-
الوسيلة الاولى :- بناء خطة اقتصادية وبرامج مالية تضعها اطر علمية وفنية متخصصة ترصد الاموال لاصلاح الاراضي واعادة بناء البنية التحتية الزراعية.
الوسيلة الثانية:- زيادة رأس مال المصرف الزراعي،فتدخل ضمن خطة اقتصادية شاملة ترمي فيما يتعلق بالتمويل الى رفع الامكانية المالية لجميع المصارف الحكومية ويتحقق بأعادة النظر في الميزانية العامة والميزانيات المستقلة.
الوسيلة الثالثة:- تغيير قوانين الاستثمار بما ينسجم مع الاقتصاد العالمي فمن اللازم فسح المجال امام رؤوس الاموال الاجنبية للاستثمار في القطاع الزراعي ، وفق اسس محددة تتناسب مع طبيعة هذا القطاع ، وكذلك مع التقاليد القديمة التي تمنع تملك الاجنبي للاراضي الزراعية.
الخــــــــاتمة:-
خلال فترة طويلة دامت عدة عقود لم يحظ القطاع الزراعي بأهتمام الحكومات العراقية المتعاقبة ،رغم أهميته القصوى ووجود عوامل بشرية ومناخية ومالية وفنية ، ادى هذا الاهمال الى اضعاف الانتاج المحلي فاصبحت التغذية مرتبطة بالخارج ، لذلك قادت هذه الاوضاع الى تدهور الحالة الغذائية والصحية ولم يستطع برنامج النفط مقابل الغذاء "لا سابقاً ولا حالياً" تحسين هذا الوضع الا بصورة جزئية ، انها ازمة حاضر ومستقبل اكثر من عشرين مليون انسان ستعالج ان تطورت الزراعة وازداد الاهتمام بها في داخل العراق ، فالزراعة رمز من رموز حضارتنا فلماذا نهملها وندعها تندثر ، فأن تركنا الحال على ما هو عليه ستتحول الى كارثة حقيقية بأزدياد الحروب علينا.