قد يعاني الانسان احيانا من خوف غير طبيعي تسببه له الاماكن المظلمة فيفضل ان يشعل النور وهو نائم.وقد يشعر بالخوف من الاماكن العالية او التردد والخجل عند الحديث.
هذه الحالات موجودة ومنتشرة بين الناس لكننا لا يمكن ان نقول ان الغالبية الكبيرة تعاني منها.هذا التعميم غير صحيح لان هناك ملايين وملايين من البشر اصحاء ويعيشون في صحة نفسية جيدة.
في الواقع يمكن ان اقول دون مبالغة ان العراقيين الا قلة منهم يعانون من حالة غير طبيعية تشبه ما يسمى بعلم النفس بالفوبيا او الخوف المرضي من شيء ما. ساقول شيئا محددا كي لا اظل الف وادور واتعب القارئ.نسبة كبيرة من العراقيين تخاف وتنزعج من مراجعة دائرة حكومية. سيكون اتعس يوم في حياة اي مواطن لو انه اضطر مثلا للذهاب الى دائرة كي ينجز معاملة له او لابنه.انا اراقب اعراض الخوف والانزعاج لدى المراجعين.
اول شيء يفعله المراجع هو التوسل بالموظف لاكمال اوراقه.ويتحدث معه بخضوع تام.الشيء الثاني يظل طيلة وقت الانتظار شارد الذهن وعيناه تبحثان في الارجاء كأنه فقد شيئا.هناك شيء مزعج يعصر المواطن اثناء انتظار المعاملة.وبين لحظة واخرى يقترب من الشباك بحذر لص ليرى اين وصلت المعاملة وهل عبرت الى الموظف الاخر. انتظار بشع وثقيل.هذا الخوف المرضي او فوبيا الدوائر الحكومية موجود ومنتشر بين الجميع ما عدا اصحاب الواسطات والايدي الطويلة.
قبل يومين قررت ان انجز احدى معاملاتي المتاخرة منذ خمسة اعوام. تصوروا خمسة اعوام وانا لا اجد الرغبة في خوض تجربة الدخول لدائرة حكومية.كان خطوتي الاولى في مكتب المعلومات المركزي. وهناك بعد الاستعلامات حدثت المفاجأة. تلقاني شخص قال لي من فضلك الى الحاسبة.كان يرتدي الزي المدني.
سالته هل انت موظف هنا..؟ لاني مصاب بالخوف المرضي ولا اصدق ان يدلني موظف.فاجابني نعم. اقتربت من شباك الحاسبة فاخذ المعاملة شرطي وقال لي اجلس.جلست.بعد خمسة دقائق نادى على اسمي وحولني الى الشباك رقم 6 .
وهناك كان الشرطي الطف من الاول.رتب معاملتي وقال ان هناك مشكلة بسيطة تتعلق باوراقي وطلب مني ان اخذ الامر من السيد مدير مكتب المعلومات.وحدثت المفاجأة.اذ كان المدير شخصا متفهما وصبورا على قصص الواقع الغريبة والعجيبة.عدت وفي لحظات انجز الشرطي عمله وحولني الى لجنة من عدة ضباط.وكانت المفاجأة اروع حين استمر انتظاري اقل من ساعة.وفي اثناء انتظاري راقبت الجالسين..كانوا هادئين نوعا ما وليسوا متوترين. فالمعاملة الجيدة وانسيابية العمل جعلتهم راضين جدا. وفي العادة انا اتجهز جيدا اثناء مراجعتي لاحدى الدوائر فاحمل معي كتابا قويا اقرا فيه اثناء فترة الانتظار لاكسر شعوري بالملل والانزعاج.فالانسان يقدر ان يقلل من ملله اذا استطاع ان يندمج في حالة جديدة مثل قراءة كتاب جيد.
في الحقيقة لا اقول هذا الكلام الا لايصال رسالة بسيطة وهي:ان خدمة المواطنين باخلاص حقيقي هو ما سيخلق فينا سعادة الرضا التي نفتقدها.وعلى كل موظف ان يكون قدوة نفسه ومرآتها.فتحية لكل العاملين في ذلك المركز المنظم الذي كان يعمل بحس الفريق الواحد..وعلى راسهم السيد مدير تلك الخلية الصابرة.
مقالات اخرى للكاتب