نزح جد جورج من الموصل إلى ألبصره بعد مجيء شركات النفط إليها وتزوج وعاش فيها لحين وفاته ،عندها قام والد جورج بإدارة دكان بيع المشروبات الروحية وقد ورثه جورج بعد وفاة والده واستمر بإدارته للمحل . عرف جورج بسماحة أخلاقه وحبه للناس جميعا ،وكانت له صداقات عديدة مع شباب من جيله، إلا أن صداقته لمحسن كانت مميزه ووطيدة وبدأت مذ طفولتهما بحكم ألجيره بين العائلتين وتلازمهما في الدراسة حتى اجتازا كافة المراحل الدراسية معا . ذات يوم ذهب محسن مسرعا إلى جورج وسلمه تحذيرا بغلق محل بيع المشروبات وبعكسه سيتعرض إلى ما لاتحمد عقباه ،وحينما سأله جورج كيف استلمت هذا التحذير؟ وهل تعرف من سلمك إياه ؟ اخبره... بأنه استلمه من شخص لا يعرفه وطلب منه تسليم التحذير إليه ...إلا أن جورج لم يأبه للتحذير واستمر بمزاولة عمله ،وبعد أسبوع فجر المحل بعبوة ناسفه ولم يصب جورج بأذى لكون المحل كان مغلقا . هدد جورج برسالة أخرى بالتصفية ألجسديه إن حاول مره أخرى بيع المشروبات ألروحيه وحدث هذا والعراق على أبواب الحرب الطائفية التي حدثت في العامين 2006و2007وكانت أخبار ألتصفيات ألجسديه حديث الساعة وكان من ضمن الضحايا احد المسيحيين. خاف جورج على حياته ، وبناء على توصية محسن لزم داره ولم يخرج منها، وكان يزوره بين الحين والآخر ويؤكد له على عدم الخروج من ألدار لأن الأمور باتت صعبه جدا وان هناك مفارز من الشباب تتواجد في تقاطعات الطرق ألعامه تدقق في هويات المواطنين وبنفس الوقت يلبي ما يحتاجه من الحاجات الضرورية . وسط هذه الأجواء المشحونة بالتوتر الطائفي ،اتصلت به والدته من نينوى طالبةً منه بيع كل شيء ثمين في البيت والطلب إلى صديقه محسن أن يسكن فيه ريثما تنجلي الأمور والحضور إلى نينوى لأن العائلة بجميع فروعها قررت الذهاب إلى أربيل للسكن هناك لتحمي نفسها من التهديدات المستمرة بالتصفية الجسدية لهم . اتصل بمحسن وباعوا كل ما يمكن بيعه ووافق محسن على السكن في البيت . بدأت حيرة محسن في كيفية إيصال جورج إلى بغداد، وتوصل إلى فكره بأن يزور له هويتان، واحده باسم شيعي، والأخرى باسم سني ،ولم يخطر على باله غير أن يسميه في واحده علي ليجتاز بها مناطق البصرة والناصرية وواسط ،والأخرى باسم عمر يستعملها عند الاقتراب من مشارف بغداد وهي المنطقة القريبة من منطقة سلمان باك إذ تكثر هناك سيطرات للسنة وأحيانا تكون شيعيه ،واتفقوا على سلوك طريق بصره ناصريه بدلا من بصره عماره لكون الأول صحراوي ولا توجد فيه سيطرات الا على مشارف ألبصره ،كما ان المعلومات تفيد بعدم وجود سيطرات طائفيه من ألناصريه حتى مشارف الكوت. قال جورج لقد فكرنا بأمور كثيرة ،ولكن لم نفكر بكيفية الخروج من ألبصره ،فالكثير يعرفونني وإذا كان الشيعي يقتل السني والسني يقتل الشيعي بناء على هويتهما وقد يكون شيعي لكن اسمه عمر او سني واسمه علي ورغم هذا يقتلان فماذا يفعلوا بي وأنا مسيحي ،أجابه محسن وهل صدقت ان القتال الحاصل بسبب اختلاف الطوائف والمذاهب ، فالعراقيين يعيشون معا ومتصاهرين منذ مئات السنين ،فلسني تزوج من شيعيه ،وألشيعي تزوج من سنيه ،وكنا كالعائلة الواحدة وإنشاء ألله نظل هكذا، ولكن الامر سياسة وأجندات القصد منها تفكيك لحمة العراقيين وتفتيت العراق ،وأعداء العراق ادركوا ان العراق لا يتفتت إلا بإثارة النعرات الطائفية والقومية، الم تسمع ان السيد السيستاني دائما يقول.. السنه انفسنا.. والم يقل إمامنا علي ابن أبي طالب إن لم يكن لك أخ في الدين فهو نظير لك في الخلق ، فكيف الحال وأنتم أصحاب كتاب ...لاتخف ياجورج فنحن قد يصيبنا ما يصيبك ودعنا من هذا الامر الآن وقد فكرت كثيرا بالكيفيه التي اوصلك بها الى بغداد سالما ، وسنأخذك بسيارة ابن عمي وسيأتي معنا ابن عمي الآخر وسنقلك من باب الدار وسنسلك طريق ناصريه – ألبصره القديم بدلا من الطريق الدولي. خرج الجميع من البيت وغادروا مدينة ألبصره وفق ما رسموه، واجتازوا مدينة ألناصريه دون أن يشاهدوا غير السيطرات الرسمية التي مروا منها بكل يسر، وعلى مشارف مدينة الكوت ،لاحت لهم من بعيد مجموعه من الرجال تقف وسط الشارع وترتدي الملابس المدنية ،فقال محسن لجورج اضبط أعصابك ولا ترتبك وتثير ألشبهه ..أجاب جورج... يامحسن ليش هي ظلت أعصاب شوف جسمي كله يرجف..قال محسن بعصبيه عرضت حياتي وحياة أولاد عمي للخطر من أجلك فكن رجلا وسيطر على أعصابك ونحن معك ولن يصيبك مكروه بإذن الله. وصلت السيارة إلى السيطرة ، وطلب منهم ابراز الهويات فسلموها اليهم ،وحينما قرءوها قالوا عاشت الأسامي وأعادوها إليهم وقالوا لهم توكلوا على الله...هدأ جورج واسترد أنفاسه وكان هذا الاختبار الأول له ،إلا انه من خوفه الشديد طلب إيقاف السيارة ليقضي حاجته فضحك عليه الجميع وقالوا له يا جبان سويته. وصلوا الكوت وتناولوا طعام الغداء واخذوا يفكرون ماذا يفعلون، فما تبقى من الطريق يعتبر من اخطر المناطق التي مروا بها ،وكيف سيتعاملون مع السيطرات التي تقف في الشارع ان وجدت ،وفيما اذا كانت للسنه او للشيعه ،ولكون كل واحد منهم يحمل هويتين أحداهما باسم شيعي والأخرى باسم سني فأتفق الجميع على ان لا يتعجلوا في إخراج الهوية للسيطرة كي يتأكدوا من اتجاهها الطائفي ،وان لا يتكلم سوى ابن عم محسن الذي يقود السيارة، وأن يضعوا الهوية التي تحمل الاسم السني في الجهة اليسرى وألأخرى في الجهه اليمنى ،وقبل ان يصلوا الى مشارف بغداد شاهدوا مفرزه من الشباب تقف في وسط الشارع فأوقفتهم وحينما تبادلوا الحديث مع إفرادها أدركوا انها مفرزه شيعيه فسلموهم الهويات الشيعية والتفت احدهم إلى جورج وأخذ ينظر اليه بإمعان فتجمدت أوصاله وبدأت قشعريرة الخوف تدب في جسده وقال مع نفسه ..جاك الموت ياتارك الصلاة... إلا أن الشاب أعاد هوية جورج وقال له... أتفضل منور يا أخي فضحك الجميع ...سأل محسن شباب السيطرة هل هناك في الطريق سيطرة سنيه ؟ فأجابوه أنهم يقفون على الشارع بموازاة المناطق القريبة من سلمان باك والتي تقع على مشارف بغداد، فأسرعوا قليلا وكونوا حذرين منهم فأنهم ان شاهدوكم من الجنوب سيقولوا لكم انهم شيعه ليوهموكم . ساروا مسرعين بسيارتهم وقبل الوصول الى تقاطع الطريق مع سلمان باك شاهدوا مجموعه كبيره من الشباب ،فقال الجميع تشاهدوا فهنا الموت لا محالة واخفوا سريعا الهويات الشيعية تحت كرسي السيارة ووضعوا في جيوبهم الهويات السنية ،وعندما توقفوا أمروهم بالنزول من السيارة وقاموا بتفتيشها ، وقالوا لهم انتم من الجنوب طبعا وبالتأكيد انتم شيعه وهوياتكم هذه مزوره، فأجابهم ابن عم محسن وبسرعة، طبعا نحن من الجنوب ومن ألبصره بالذات وقد هربنا من التصفية الجسدية وجئنا إلى بغداد لنسكن مع أقاربنا وهوياتنا فعلا مزوره ولكنها تحمل أسمائنا الحقيقية لأننا وضعنا كافة الوثائق الأصليه المتعلقة بعوائلنا بما فيها الهويات في مكان أمين وقال لهم الحمد لله إننا وصلنا إليكم سالمين فهناك سيطره قرب الكوت سألتنا من أين انتم فقلنا لهم من البصره وظنوا إننا شيعه وسمحوا لنا بمواصلة السير فتدخل رجل كبير وقال لهم دعوا الشباب يمضون في حالهم وما عانوه من الطريق يكفيهم فسمحوا لهم بالمغادرة فانفرجت الأسارير وباتوا يضحكون وقال محسن ....هسه هاي التضحيه لو عله واحد مسلم كلنا ميخالف ولكن على واحد مسيحي بياع مشروبات روحيه....لا كت شنسوي للوفه المزروع بينه وإلا اكو مجنون يضحي بحياته والمصيبة جايب أولاد عمه وياه.. أجاب جورج بحسره، رغم إني ألان قد اجتزت غالبية الطريق وقد توقفنا سيطرة داخل بغداد نفسها وهذا ممكن إلا إني اعتبر نفسي قد وصلت إلى نينوى ويكفيني فخرا ان يكون لي أخوه وأصدقاء مثلكم وإذا وصلت إلى نينوى سالما سأحضر الصلاة في الكنيسة وسأتحدث للناس هناك عن الأخلاق العالية والشهامة والرجولة التي تحليتم بها وسأبشرهم بأن الوطن سيظل صامدا وان هذه الصفحة ستنطوي ولا ينتصر إلا العراق والخيرين من أبنائه اللذين يفهمون الدين بشكله الصحيح ويدركون انه وجد لكي يحب الناس بعضهم البعض وليس للقتل على الهوية...رد عليه محسن ..قل لهم أيضا ان هناك في العراق وفي الجنوب بالذات من ينظرون إليكم كأخوة في الوطن لكم مالنا وعليكم ما علينا ولابد أن المسيرة ستتجه في يوم ما إلى تغليب الهوية الوطنية على ألهويه ألطائفيه وألقوميه ونعيش عيشا مشتركا في ألوطن مره أخرى كما كنا في سالف الزمان.. قال ابن عم محسن..هل انتهيتم من المحاضرات بربي خوش تلقون محاضرات أكول اشعجب ماتفاركوا كل هذا العمر طلعتوا منسجمين حتى بالأفكار.. بعد شويه نوصل بغداد كافي محاضرات واخبرنا ياجورج الى اين نتجه فقال لهم... الى بيت خالي في الكر اده وستباتون هذه ألليله معي وما تبقى من المشوار سيتدبره خالي. وصلوا إلى البيت المقصود وباتوا ليلتهم وقرروا أن يغادروا بغداد فجرا ويسلكون طريق المرور السريع فهو آمن في مثل هذا الوقت وعادوا إلى ألبصره بأمان وبعد أسبوع تلقوا مكالمة من جورج ليخبرهم بأنه وجميع العائلة في أمان أذ أنهم الآن في اربيل اذ قرر الجميع السكن هناك فتمنوا له السعادة والهناء بالعيش وتمنى لهم ألسلامه والصحة وشكرهم على موقفهم النبيل. بعد ستة أشهر عادت والدة جورج الى ألبصره وباعت البيت الى والد محسن بسعر رمزي وعادت إلى اربيل ومن ثم غادر الجميع إلى أمريكا ليعيشوا بأمان هناك وتركوا الوطن الذي ولدوا فيه هم وأجدادهم والحسرة في قلوبهم فليس هناك وطن أبهى للإنسان وأروع وادعى للعيش من وطنه الذي ولد فيه.
مقالات اخرى للكاتب