قبل الشروع في كتابة الموضوع لا بد من أن ألفت النظر الى أن مفردة مزعطة أو زعاطيط العراقية , التي تعني الاطفال , لا أقصد من ورائها العمر , وان سيتضمن المقال التطرق الى اعمار البعض ممن سيرد ذكرهم , انما أقصد التصرفات والسلوكيات والوعي بغض النظر عن العمر .
يبدو ان العراق منذ بداية عهده كدولة حديثة في عام 1921 , وليس منذ نشوئه قبل ثمانية الاف عام , قد تحكّم به المزعطة , بحيث أوصلونا الى ما وصلنا اليه من تخلف وانحدار . لا أريد أن أتحدث عن فترات لم أشهدها , كي لا أكون راوية للتاريخ انتقي منه ما يفيدني من الشواهد , انما سأتحدث عن ما شهده العراق خلال حياتي , منذ عام 1963 والى اليوم .
فيوم ولِدت فتحت عيني على مجموعة زعاطيط من البعثيين ( الآن الاحياء منهم أصدقائي طبعا ) قادوا انقلابا بدعم دولي واقليمي سري , وأطاحوا حكومة عبد الكريم قاسم , وأعدموه في صالحية بغداد في شباط ( فبراير ) من عام 1963 . كان قائدا الانقلاب حازم جواد ( حي يزرق ) في السابعة والعشرين من عمره , وطالب شبيب أصغر منه بسنتين ( مات ) لان علي صالح السعدي كان في الحبس ليلة الانقلاب .. وهكذا بقية قادة البعث الاول , عبد الستار الدوري ( حي من مواليد 1932 ) ومحسن الشيخ راضي ( حي مواليد 1933 ) وهاني الفكيكي ( مات مواليد 1936 ) والقائمة تطول .
لم يكن أكبر الانقلابيين قد جاوز الثلاثين الاّ بسنة واحدة فقط , أما من ناحية الخبرة السياسية فلم تكن لديهم أية خبرة أو ممارسة أو فهم لما يجري في العالم , أو حولهم على الاقل . انما جل وعيهم وادراكهم ينحصر في انشائيات ميشيل عفلق وصياغاته الجوفاء , من أهداف وشعارات تلفيقية ومستوردة , لا تمت الى واقعنا العراقي بصلة , لا من قريب ولا من بعيد .
هؤلاء الزعاطيط هم الذين تحكموا بمصير العراق وشعبه , وهم الذين قادوا أعظم بلد في التاريخ , وهم الذين أنزلوا الميليشيات الى الشوارع ( الحرس القومي ) يعتدون على الناس , ويصادرون حرياتهم ويبتزونهم ويغتصبون النساء , وهم الذين أعدموا رجالاته. ولعمري وشرفي ان الشهيد العراقي سلام عادل كان لا يعادله ولا يساويه مليون من أمثال السوري ميشيل عفلق .. أقولها بملىء فمي وأنا الذي لم تستهويني الشيوعية يوما .
من يومها حل الخراب وحطّ اليباب في بلدنا العراق . في عام 1968 يعود البعث مرة أخرى الى الحكم , هذه المرة بقيادة اللابعثي الحقيقي أحمد حسن البكر , والبعثي العفلقي الحقيقي الزعطوط صدام حسين , كان عمر الاخير في سنة الانقلاب واحدا وثلاثين عاما .
لم يقصر هذا الزعطوط مع بلاد الرافدين وسكانها , فزجهم في ست حروب شعواء , ثلاث خارجية مدمرة وثلاث داخلية مرعبة . قتل أربعة ملايين انسان عراقي ( احذروا التلاعب بهذا الرقم لانه يستند الى استقصاء علمي دقيق ) وصرف تريليون دولار أميركي من عائدات وموارد العراق وامكاناته على العبث وسوالف الزعاطيط .
على أية حال لقد انقضت تلك الفترة بسلبياتها وايجابياتها ( المقال يتحدث عن السلبيات فقط ) وجاءت فترة الديمقراطية واعادة تأسيس الدولة العراقية الحديثة , واذا بنفر من المزعطة المدوبلين , وليسوا من المزعطة الأحاديين , ينزون على منابر الحكم , ويتصدرون المجالس , ويتقدمون الصفوف السياسية , كبارهم مخانيث , فما بالك بصغارهم ؟! كبارهم كتّاب تقارير للدول مقابل أجر , فما بالك بصغارهم ؟ كبارهم عبيد لأسياد خارج الحدود , فما بالك بصغارهم ؟!
ماذا فعل هؤلاء المزعطة بالعراق ؟ استولوا على الارض بقوة السلاح والميليشيات المدربة في الخارج , التي وضعتها دولة جارة تحت تصرفهم , وهيمنوا على السلطة بالاتفاق مع الولايات المتحدة , وسرقوا خيرات العراق ومواقعه ومناصب الدولة . ولم يكتفوا بكل ما فعلوه , فراحوا يعتلون المنابر ليخاطبوا شعبا أعزلا , لا يدري ماذا كان يدور خارج أسوار العراق . لم يكن يعرف بأن أشجع وأجرأ متحدثيه الجدد كان يرتعد خوفا من اسم صدام حسين وهو تحت مهيل اللحاف , لم يكن يدرك بأن أشجعهم وأجرأهم كان يرتجف هلعا من اسم صدام حسين وهو تحت أهداب البطانية .
زعاطيط آخر زمان يجمعون بسطاء العراقيين بطريقة أو بأخرى , تارة باغراءات مادية وعينية , وأخرى بخداع وتضليل , وثالثة بتهديد ووعيد , ثم يعتلي زعطوط بلا تاريخ ليثرم البصل برؤوسهم . يحدثهم عن سياسات دولية وأخرى عراقية وثالثة ما يجري في محيط العراق واقليمه , وهو في حقيقته لا يرى أبعد من أرنبة أنفه .
هؤلاء الزعاطيط يحكمون العراق ويتحكمون بأبناء شعبه منذ 9 تسع سنوات . أظنها كافية , فلقد آن الأوان أن يستلم رجال العراق ونساؤه الكبار والكبيرات مقاليد حكمه وسلطاته , ويعود هؤلاء الزعاطيط أدراجهم , وأظنهم قد جنوا من المال والثروات ما يكفيهم هم وأبناءهم وأحفادهم لقرون من الزمان وليس لعقود قادمة . وان كانت لقمتهم حرام لا يهنأون بها , لأنها أموال يتامى وحقوق أرامل ومعوزين وفقراء ومعوقين , يأكلونها سما زعافا في بطونهم وبطون أبنائهم وأحفادهم وأهليهم وذويهم ومتعلقيهم , وكل مَنْ يستغلها ويستفيد منها ظلما وحراما , وهو يعرف مصدرها وعائديتها .
لهذا كله طرحنا مشروعنا , مشروع حزب الشعب , الذي ما يزال حتى هذه اللحظة محل تداول ونقاش بين المهتمين والمتطلعين الى غد عراقي أفضل , لهذا كله بادرنا في الوقت نفسه الى العمل مع الآخرين في اطار جبهوي واسع , ايمانا منا في أن الجهة الواحدة , أو الطرف الواحد لا يستطيع أن يعمل بمفرده في الساحة العراقية , من دون تكاتف وتعاون الآخرين معه .
من البديهي أن مشروعا انقاذيا للعراق وشعبه سيواجه من قبل الآخرين بشتى أنواع العمل والنشاط السياسي والاعلامي , كي لا ينجح , تحسبا منهم لتضررهم منه . هؤلاء الآخرون نوعان : نوع في السلطة ونوع خارجها . أما الذين في السلطة فمعروفة أساليبهم , وفي هذا المقال لن نتطرق اليها , انما سنذّكر بها ربما مستقبلا .
وأما الذين خارج السلطة , فهم وبناءً على ما شاهدناه من تعليقات سلبية مؤخرا , كشفت عن نوعين من البشر , نوع يرتعد من خياله , فانزوى واختفى خلف اسم مستعار , يثير الضحك أحيانا والشفقة في أحيان أخرى , هذا من ناحية الاسم , أما من ناحية التعليقة نفسها فهي تثير الاسى والعطف والرأفة بها وبكاتبها , لانها مسخرة . ونوع يمتلك اسما ما , لكنه يعكس عُقَده النفسية والمَرَضية الخطيرة والمدمرة على ما يكتب . من هذا النمط من المحسوبين على بني البشر مَنْ يمتلك سجلا مشينا ومخزيا , ليس في عالم الكتابة , وانى له أن يناله أو يصل اليه ؟! انما في حياته وسلوكه وتصرفاته . ليس مجال كشفه للأجيال القادمة متاحا الان في هذه اللحظة .
ما معنى هذا ؟ هل معناه مثلا اننا لا نتقبل النقد أو الاعتراض ؟! الجواب ببساطة هو : لو اننا وجدنا اجماعا وقبولا وتسليما بكل ما نكتب , من دون أدنى اعتراض أو مناقشة لكنا تركنا الكتابة منذ زمن مبكر , بل ان الذي يشجعنا ويدفعنا للكتابة ومواصلتها هو كثرة الاعتراضات عليها ومناقشتها . وهذه ان دلت على شيء فانما تدل على حيوية الموضوع وسخونته ومدى تفاعل الناس معه .
ان أروع ما في الكتابات هي تلك التي تثير النقاش والجدل , ولكن أي نوع من النقاش والجدل ؟ هو ذلك الذي من شأنه أن يستفيد منه القرّاء ويزيدهم دراية ومعرفة , بما يدفعهم ويحرضهم للمساهمة في اعادة بناء العراق شعبا ووطنا , وبما يزرع الامل في نفوس العراقيين , لا ذلك الذي يزيدهم احباطا وقرفا وكفرا بالعراق وأهله .
بيد ان شيئا ربما أستفيد أنا منه شخصيا جرّاء الكتابات الشامتة والشاتمة , فهي وان عادت لزعاطيط تالي وكت , ولكنها تدفعني للاستمرار في العمل من أجل العراق وشعبه , وهو تمنحني المزيد من جُرَع القوة والنشاط والمثابرة وازدياد الحيوية وانعقاد الامل على العراقيين الشرفاء لبناء وطننا وشعبنا . انه لمن المستحيل عليّ بعد اليوم أن أترك العراق وشعبه للزعاطيط يعبثون بهما ويسرقونهما ويقتلوتهما .
نداء الى كل من يجد نفسه في ذات الخانة التي أنطلق منها في العمل والخطاب السياسي والاعلامي أن يضع يده في يدي , وها هي يدي ممدودة اليه قبل أن يمدّ يده اليّ .. أيها العراقيون الشرفاء : تعالوا لن ندع العراق للمزعطة .