Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
انتفاضة العراق في ذكراها الخامسة ( الحلقة الرابعة ) مَن كان وراء الانتفاضة ؟
الاثنين, آذار 13, 2017

 

العراق تايمز: كتب النائب فائق الشيخ علي

من صحيفة " الحياة " اللندنية ، عدد 12083 الصادر في الإثنين 25 آذار ( مارس ) 19966 م

على رغم عراقية الانتفاضة هناك مَنْ يتساءل عن الطرف الذي يقف وراءها ؟!
 فهناك من نظر إليها من أكثر من زاوية ، فقسمها إلى انتفاضتي شيعة وأكراد ، وأحيانا عرب وسُنّة ، أو شمال وجنوب ، وأوعز كل واحدة إلى جهة معينة تختلف عن الأخرى . 
 وهناك من تعامل معها على أنها انتفاضة واحدة ، وادعى بأن هذه الدولة أو هذه الجهة كانت الدافعة لقيامها .. إلا أن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن انتفاضة بهذا الحجم ( اجتاحت 14 محافظة عراقية من مجموع 18 ) ليس باستطاعة أية دولة أو جهة تحريكها ، ما لم تكن هناك عوامل كثيرة تحرض على هذا التحرك الكبير .
 وإذا كانت بعض الإجابات قد وجد طريقه إلى النشر والإعلان ، فإن اجابات أخرى ظل عراقيون يتهامسون بها في مجالسهم الخاصة ، من دون أن يتجرأ احد منهم على البوح بها .. مثل القول : أن النظام هو الذي فجرها . لهذا نرى أن نبدأ الحديث عن هذه الأقوال أولا ، قبل أن نتطرق إلى غيرها ، لأن القول : أن صدام حسين كان وراء الانتفاضة يُعَدُّ من أخطر النظريات التي قيلت بهذا الشأن ، ولا يستبعد أن يروّج لهذا القول في كتب التاريخ مستقبلا .

أهم النظريات التي قيلت في هذا الصدد :

أولا : صدام حسين وراء الانتفاضة :

يرى القائلون بهذه النظرية : أن النظام العراقي هو الذي حرّض شعبه وسهّل له مهمة قيامه بالانتفاضة ضده ، ذلك من خلال توزيعه السلاح على العراقيين خلال أزمة الكويت من دون ضوابط واعتبارات ، وهو يعلم بأن الشعب يتحيّن الفرص للانقضاض عليه ، بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحقه . أما الغايات التي أراد النظام تحقيقها فهي عديدة ، ويمكن تلخيص أهمها بالآتي :
11 – ان النظام أراد منها أن يكشف معارضيه الحقيقيين ، ليشنّ حملة تصفيات ضدهم ، فيتخلص من أية بقايا للمعارضة السرية .
2 – إنه أراد أن يمتص نقمة الشارع العراقي وغضبه عليه بعد هزيمته في " أُم المعارك " .
33 – أراد أن يثبت للعالم أن نظام البعث هو الوحيد الذي يستطيع حكم العراق . وفي حال غيابه فإن الفوضى ستضرب أطنابها في البلد ، وستظهر دعوات تهدد وحدة العراق ، ما ينعكس سلبا على دول الجوار .
 إذا اعترض أحد على هذا الكلام وسأل : هل كان صدام سيضمن وجوده في الحكم في حال إعلان الانتفاضة ضده ؟ يأتيه الجواب بالإيجاب ، لاعتبار أن صدام يتمتع بأجهزة حماية يصعب ( إن لم يكن يستحيل ) اختراقها ، فضلا عن ضمانه لخروج قوات الحرس الجمهوري بكامل عدتها وعددها سليمة من " عاصفة الصحراء " .
 ويُلاحظ من التفسير السابق إنه بُنيَ على نتائج ما حصل خلال الانتفاضة ، بعد أن أغرقها صدام ونظامه في بحر من الدماء ، وأعدم ألوف الثوار ، وطارد آخرين ، ورُوِّجَ لدعوات تدعو إلى تقسيم العراق لدويلات .. لهذا فإنه ليس بالضرورة أن تكون هذه النظرية صحيحة .
 أما بالنسبة لتوزيع النظام السلاح على العراقيين ، فإنه تمَّ بناءً على توقع صدام بأن القتال مع الحلفاء سيمتد داخل المدن العراقية ، وصرّح بذلك في أكثر من مناسبة ، وليس لكي يُمضكِّن العراقيين من الانتفاضة ضده . فذَكَرَ مثلا ليفغيني بريماكوف ( مبعوث الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف ) : " أُحب ان تعرف جيدا أن العراق قادر على الدفاع عن نفسه .. حتى لو خرقوا الجبهة ، فإننا سنسحبهم إلى المدن ونقاتلهم بكل سلاح " . وقال له أيضا في 12 – 2 – 1991 م : " لو تمّ تدمير كل الطائرات والدبابات والمدافع سنقاتلهم بالبنادق في حرب تحرير شعبية " .
 لم يكن صدام يتوقع أبدا بأن العراقيين سيثورون ضده . ولو كان خطر في باله شيء من هذا ، فمَنْ كان يضمن أن الانتفاضة قد تقوم خلال الحرب وليس بعدها ؟ وفي هذه الحال لو أعلنت الانتفاضة خلال الحرب ، فمَنْ كان سيضمن بأنها لن تطيح بنظامه ؟!
 ولعل الأهم من هذا كله ، هو أن السلاح الذي وزّعه النظام على العراقيين ليقاتلوا به الحلفاء ، لم يخرج في الانتفاضة ضده ، وإنما خرجت في الأيام الأولى للانتفاضة أسلحة غيرها ، معظمها كان بدائيا .. إلى أن استولى الثوار على مخازن السلاح .
 وعليه تنقض هذه النظرية نفسها بنفسها ، ولا داعي مطلقا لأن يرددها العراقيون في مجالسهم ، ولو همسا .

ثانيا : أميركا والحلفاء وراء الانتفاضة :

يرى القائلون بهذه النظرية أن الولايات المتحدة ودول الحلفاء هي التي حرضت على الانتفاضة والإطاحة بنظام صدام . ففي الثلاثين من آب ( أغسطس ) عام 1990 م قال الرئيس الأميركي جورج بوش : " حسنا سوف لا أصاب بالخيبة إذا ثار العراقيون وقالوا أن هذا الرجل ( صدام ) هو سبب المشكلة " .
وأَعلنَ في 15 شباط ( فبراير ) 19911 م : " هناك طريقة أخرى لوقف نزيف الدم ، وهذا عائد للقوات المسلحة العراقية والشعب العراقي في أن يكون زمام الأمور في أيديهم ، لإجبار الديكتاتور صدام حسين على التخلي عن السلطة " . وكانت ذروة التحريض الأميركي في الأول من آذار ( مارس ) 1991 م وهو اليوم الأول لإعلان الانتفاضة في العراق ، بأنه سبق للرئيس الأميركي وأن أعلن أن الشعب العراقي إذا أطاحه ( أي لصدام ) " فإن ذلك سيسهل حل كل هذه المشاكل الموجودة ، وبالطبع سيسهل قبول عودة العراق إلى عائلة الدول المحبة للسلام " .
 وفي اليوم نفسه أجاب وزير الدفاع الفرنسي بيار جوكس ، بعد ان سُئِلَ عن مصير الرئيس صدام ؟ ": " يجب أن نولي الثقة للعراقيين " . وفي اليوم التالي 2 – 3 – 1991 م قال وزير الخارجية البريطاني دوغلاس هيرد : " إن العراق لا يمكن أن يعود إلى صف المجتمع الدولي ما دام الرئيس صدام حسين في السلطة " .
 هذه النظرية ما تزال رائجة في سوق بعض الكتّاب الذين يصرون على أن أميركا خططت للانتفاضة ودعمتها . وفي حقيقة الأمر أن الدور الأميركي ( مع الحلفاء ) اقتصر على التحريض على صدام ، وكان لهذا التحريض أثر في الانتفاضة .. لكنه لم يرتقِ إلى مستوى دعمها . ولو كانت هذه الدول فعلا وراء الانتفاضة لكانت ساندتها ودعمتها بقوة . . بل مقابل هذه التصريحات التحريضية هناك تصريحات أخرى تؤكد على تخلي دول الحلفاء عن الانتفاضة .
ففي الخامس من آذار ( مارس ) 19911 م أعلن البيت الأبيض : " ان إدارة الرئيس جورج بوش لا تنوي التدخل في شؤون العراق الداخلية على رغم استمرار الاضطرابات في عدد من مدن الجنوب العراقي " . وقبله بيوم واحد 4 – 3 – 1991 م أكد وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما في مقابلة مع إذاعة " أوروبا – 1 " ان فرنسا " غير معنية بتغيير النظام العراقي الحالي ، ولن تساهم في حملة لعزل صدام حسين عن الحكم " .
 وسبقه زميله البريطاني هيرد إلى القول : " انه ليس من شأن دول التحالف أن تحدد مَنْ الذي يجب أن يحكم العراق ، كما لا يمكن جعل صدام شخصيا يتحمل مسؤولية الفظائع التي ارتكبها نظامه " . وصرّح الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز ديكويار لوكالة " رويتر " في 2 – 3 – 1991 م قائلا انه : " يعارض الإبقاء على التدابير والعقوبات التي قد يكون الهدف منها إسقاط النظام العراقي " .
ولم تقدم دول الحلفاء أي دعم أو مساندة للانتفاضة .. فعن نورا بستاني في " الواشنطن بوست " في  6 – 3 – 1991 م قال نائب مدير العمليات في القوات المشتركة الميجر جنرال مارتين برندتنر "سوف لا يتحرك أي جزء من القوات الأميركية للسماح بتسرب أي سلاح ( للثوار ) أو أن تلعب القوات الأميركية أي دور مهما كان من أجل إثارة أو مساعدة أي جانب " .
وكتب مدير الاستخبارات العسكرية العراقية وفيق السامرائي في 12 – 1 – 19966 م في صحيفة " نداء الرافدين " مُقِراً بهذه الحقيقة ، فقال : " وفي يوم من تلك الأيام العصيبة ( خلال الانتفاضة ) التقطت وسائل الاستطلاع اللاسلكي ( العراقية ) محادثة على شبكة اتصالات الثوار في قاطع الناصرية ، تتضمن ما يلي : 
 ذهبنا إلى قوات الحلفاء وطلبنا منهم أي شكل من أشكال المساعدة ، ورفضوا ذلك ، وقالوا لنا أنتم من جماعة السيد . وقال المتحدث ( الثائر ) على الطرف الآخر : اذهبوا مرة أخرى واطلبوا المساعدة .. فجاءت الإجابة بعد وقت : ذهبنا إليهم مرة أخرى وقالوا لنا أنتم شيعة ولا نساندكم " .
 ان الذين يفندون فكرة بأن أميركا ( والحلفاء ) كانت وراء الانتفاضة لا يكتفون بالتصريحات ( الأقوال ) التي تعزز تفنيداتهم ، وإنما يستدلون بالأفعال أيضا ، وهم يتساءلون : لماذا سمح الجنرال نورمان شوارتزكوف لقوات الحرس الجمهوري العراقية بالخروج سالمة من أرض المعركة ؟! ولماذا وافق على استخدام الجيش للطائرات المقاتلة خلال الانتفاضة ؟ .. وإن هناك أسئلة أخرى لا بد انها بحاجة إلى إجابات شافية .

ثالثا : المعارضة العراقية وراء الانتفاضة :

زعمت أطراف من المعارضة العراقية في الخارج ، بأن كوادرها العاملة في الداخل هي التي فجرت الانتفاضة ، وان الشعب العراقي استجاب لنداءاتهم التحريضية على النظام ، التي كان يوجهها زعماء المعارضة ( منهم أفراد ليس لديهم قواعد بالعراق ) عبر الإذاعات ، فثاروا عليه . ولكي تؤكد هذه الأطراف تلك الادعاءات أجرت صحف عراقية معارضة ( دينية وعلمانية ) لقاءات صحفية مع بعض الأشخاص ، أكدوا فيها تلك المزاعم .
 وتبنت جهات معارضة إصدار بيانات تتحدث عن " يوميات الانتفاضة " .. ومراجعة سريعة لتلك اليوميات ستكشف كم كانت الهوة سحيقة بين معارضة الخارج ومعارضة الداخل ، وكم احتوت من أحداث لم تحصل في العراق مطلقا !
 إن هذه النظرية هي من أضعف النظريات التي قيلت بشأن الانتفاضة حتى الآن . والغريب ان القائلين بها تخلوا عن ادعاءاتهم وغيّروا من لهجة خطابهم الإعلامي بعد فشل الانتفاضة ، حين أخذوا يؤكدون على أن أغلب الثوار كانوا من غير المنضمين إلى أية جهة سياسية عراقية معارضة .
 وبعيدا عن كل ما قيل ، لم يكن الشعب العراقي الذي ثار ضد صدام يعرف أو يسمع بالكثير من الأسماء المدعية معارضة النظام . وان هؤلاء المعارضين ( القادة ) لم يتجرأ أي منهم على دخول العراق خلال الانتفاضة ، باستثناء نفر قليل ولأسباب كثيرة . في وقت اجتمعوا فيه كمتفرجين على ما كان يحصل من قاعة فندق " البرستول " في بيروت ، وما أن انفضَّ الاجتماع حتى قفلوا راجعين كلٌّ إلى مقر إقامته .
وبكلمة صريحة ، حسب تعبير السيد حسين الشامي في كتابه " أزمة العراق " ( صفحة 844 ) ان المعارضة العراقية كانت متخلفة عن الشعب العراقي .

رابعا : تركيا وراء الانتفاضة :

هذه النظرية تبناها تحديدا الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه " حرب الخليج أوهام القوة والنصر " إذ يقول في صفحة 575 : 
 " وما كادت أصوات المدافع تسكت بعد سريان وقف إطلاق النار ، حتى كان الرئيس التركي تورغوت أوزال يستقبل بنفسه قادة الحركة الكردية ، وبينهم السيد جلال الطالباني ، وكان حديثه معهم غريبا . فقد بدأ يقول لهم ان في عروقه دماء كردية ، فجدته مباشرة سيدة كردية ، على حجرها تربى في بيت تتردد فيه مفردات اللغة الكردية وأغاني والموسيقى الكردية . وعلى مائدتها عرف أطباق المطبخ الكردي وأغرم بها . وانتقل أوزال من هذه الخلفية الكردية لتربيته إلى إبداء الاستعداد لتشجيع الحركة الكردية على أداء دورها المنتظر في شمال العراق " .. إلى أن يقول في صفحة 576 : 
 " وهكذا فإن شمال العراق كله كان خاليا من أية قوات عسكرية عراقية ، ولم تكن فيه إلا قوات البوليس العادية تؤدي وظيفتها ضمن جهاز الإدارة المدنية . ومع الفرصة السانحة ، ومع تشجيع تورغوت أوزال ، ومع تحريض أميركي سافر ، تدفقت قوات البيشمركة الكردية من معاقلها في الجبال ، في الوقت نفسه الذي أحسَّ فيه السكان في المحافظات الشمالية في العراق أن هناك فراغا في السلطة ، وأن هناك حالة فوضى تسمح لكثيرين ان يتصرفوا كما شاءوا " .
تعمدنا نقل هذا النص المطوّل من كتاب هيكل ، لنبيّن الحقائق الآتية :
11 – يصح هذا الكلام بأن انتفاضة الشمال وراءها تركيا ، لو أن السيد جلال الطالباني وقادة الحركة الكردية هم الذين قاموا بالانتفاضة ، بينما الحقيقة هي أن الشعب الكردي ( غير المنظّم في أحزاب ) ومعه " الجحوش " الموالين لنظام صدام هم الذين قاموا بالانتفاضة !
22 – لم يكن شمال العراق كله خاليا من أية قوات عسكرية عراقية ، وإنما كان النظام يحتفظ بنحو 100 ألف عسكري مسلح في الشمال ، تحسبا لأي طارئ ، فضلا عن القوات الكردية المرتزقة وقوات البوليس ، كما يسميها هيكل .
ويؤكد سعد البزاز في كتابه " حرب تلد أخرى " صفحة 2855 بأنه : " صدرت تعليمات محددة إلى منظومات العمل العسكري والاستخبارية شمال العراق ، لوضع خيارات لتحركها في الدفاع أو الهجوم الإجهاضي ازاء التعامل مع احتمال من هذا النوع ( احتلال تركي لأجزاء من العراق ) بعد أن جرى تعزيز الجيش الثاني التركي على الحدود " .
 وقد أسرت قوات الانتفاضة كبار القادة العسكريين العراقيين في شمال العراق ، ممن يحملون رتب جنرالات ، كالجنرال ( اللواء ) عبد المجيد عباس وهيّب ، والجنرال صلاح عبد المجيد خضير ، وعمداء وعقداء ومن ذوي الرتب العسكرية الأخرى .. فضلا عن اطلاقهم سراح آلاف العسكريين . فماذا كان يفعل كل هؤلاء في شمال العراق ؟ وما هو تفسير المعارك التي حدثت بين قوات الجيش وقوات الانتفاضة ؟
3 – أما بالنسبة لفراغ السلطة في الشمال ، فإنه لم يحصل في شهر آذار 19911 م ( شهر الانتفاضة ) وإنما حصل بعدها في شهر تموز ( يوليو ) بعد أن سحب صدام قواته وأجهزته الإدارية من المنطقة أثر المجازر التي ارتكبتها قواته ضد الأكراد ، ما استوجب تدخل الولايات المتحدة ودول الحلفاء لوقفها ، تنفيذا للقرار الدولي 688 الصادر عن الأمم المتحدة في 5 نيسان ( أبريل ) 1991 م .
44 – لنفترض ان انتفاضة الأكراد كانت بتحريض تركي واضح ، فما هو التفسير المنطقي للثورة الكردية المسلحة المعلنة في شمال العراق منذ ثلاثة عقود سبقت ذلك التاريخ ؟ لا أظن ان هناك علاقة ما بين جدّات زعماء تركيا السابقين وأطباق المطبخ الكردي !

خامسا : إيران وراء الانتفاضة :

لعل هذه النظرية هي الوحيدة التي حازت على إجماع أطراف عدة متباينة ، ونالت من الرواج والشهرة ما لم تنله غيرها . فقد رددتها وسائل الإعلام العراقية ( كما في المقالات السبع التي نشرتها صحيفة الثورة ) وأشار إليها صدام حسين في خطابه في 16 – 3 – 1991 م وتحدثت عنها وسائل الإعلام العربية والعالمية . واتهم مسؤولون دوليون إيران بأنها كانت وراء الاضطرابات في الجنوب العراقي .
انطلق أصحاب هذه النظرية من خلفية ، تَراكَمَ فيها إرث ثماني سنوات من الحرب بين البلدين ( العراق وإيران ) فظنوا بأن إيران ستستغل ضعف العراق وانهيار جيشه في عاصفة الصحراء ، لتدخل على خط الانتفاضة ثأرا وانتقاما من العراق ، واتخذوا من دخول بعض عناصر قوات بدر العراقية المقيمة في إيران إلى العراق ذريعة لما ذهبوا إليه .
وما عزز قناعة هؤلاء ، هو تحدّث وسائل الإعلام الإيرانية وتصريحات مسؤوليهم الكبار عن الانتفاضة .. منها مثلا ما أذاعته إذاعة طهران الرسمية في الأول من آذار 1991 م : " ان العراقيين سيخرجون قريبا عن صمتهم ويحمّلون الرئيس صدام حسين مسؤولية هزيمة بلادهم أمام قوات التحالف التي قادتها الولايات المتحدة " .
وما أكده المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني من " ان الطريق الوحيد لخلاص الشعب العراقي يمرُّ عبر خضوع الحكومة العراقية لإرادة شعبها " .. فضلا عن تحريم المرشد الإيراني السيد علي خامنئي اطلاق الجيش العراقي النار على الشعب ، وإقرار الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني بأن عراقيين مقيمين في إيران يعبرون إلى العراق ولا يستطيع منعهم .
هذه كلها أوحت بأن إيران كانت وراء الانتفاضة . وتبنى كتّاب عراقيون وعرب هذا الكلام ، منهم سعد البزاز ومحمد حسنين هيكل ، فذكرا أن عشرات الألوف من الإيرانيين والعراقيين دخلوا العراق من إيران لإثارة الفتنة والاضطرابات في الجنوب العراقي ، وراحوا يعبثون بمؤسسات الدولة ويقتلون المسؤولين فيها ( أنظر سعد البزاز ، حرب تلد أخرى ص 449 ، ومحمد حسنين هيكل ، حرب الخليج أوهام القوة والنصر ص 570 – 571 ) .
أما سعد البزاز فقد كفانا مؤونة الرد عليه حين أقرَّ في كتابه " رماد الحروب " بأنه كان يكتب بدافع إرضاء السلطة والخوف منها . فهو يتحدث عن ظروف كتابته ل " حرب تلد أخرى " في كتابه ( رماد الحروب ) في صفحة 15 منه ، فيقول :
" لقد قلت كلمة في درجة حرارة محددة ، في زمانها ومكانها وظرفها وقيدها . وكانت تلك الكلمة جزءً من الحقيقة ، بل جزء من حقيقة ، ولا شك أن هناك أجزاء أخرى ستتبعها في الظهور ، مضافا إليها قدر أعلى من حرية القول ، وقدر أكبر من الرغبة في مقاومة التجهيل وتغييب المعلومات ، ودافع أعمق من أي من القدرين ، هو الإدلاء بشهادة جيل ثانٍ من المفكرين وشهود التاريخ " .
ويضيف في صفحة 17 – 18 قائلا : " ان الصدى الذي تركته كتاباتي وأقوالي ، جعلتني أدرك كم تحتاج قضايا البلاد إلى تأمل عميق وجدي يخلو من الغرض المسبق ، ومن الطمع في السلطة " .. لينتهي في صفحة 20 إلى القول : " ان روح التخويف لا ينبغي أن تؤدي إلى الاستسلام للحذر الجماعي ، لأن على النخبة هنا أن تؤدي بشجاعة دور التنوير والاستثارة وفتح مغاليق العقل والتعامل مع كل الخيارات ، بغض النظر عن درجة الرضى أو الرفض لدى أولئك الذين أنكروا حق الآخرين في الاجتهاد " .
وبناءً على هذا الإقرار فإن شهادة سعد البزاز عن الانتفاضة العراقية في كتابه ( حرب تلد أخرى ) مرفوضة لا يصح الاعتماد عليها .
أما " هيكل " فإنه يكتب عن دور إيران في الانتفاضة العراقية كما كتب عن دور تركيا فيها ، وبيّنا هناك كم جانَبَ الحقيقة في كتاباته تلك !
إن الذين أشاروا إلى تورط إيران في الانتفاضة عادوا فتراجعوا عن أقوالهم . ففي السادس من آذار ( مارس ) 1991 م صرّح ريتشارد باوتشر الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ، قائلا : " ليس هناك أي دليل على دعم نشط من جانب إيران للاضطرابات في العراق " .
وصرّح مسؤول عسكري أميركي ل " الحياة " في الخامس من آذار ( مارس ) 1991 م امتنع عن ذكر اسمه ، قائلا : " ان المسؤولين الأميركيين اعتقدوا للوهلة الأولى ان القيادة الشيعية في إيران تقف وراء هذه الاضطرابات ، لكنه أصبح واضحا الآن ان الإيرانيين لا علاقة لهم بالأمر " .
وأيدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية مارغريت تاتوايلر الكلام ، فقالت في اليوم نفسه : " ان ليس لدى الحكومة الأميركية معلومات تؤكد أن إيران تلعب دورا في الاضطرابات الحالية " .
أما بالنسبة لتحريض المسؤولين الإيرانيين ووسائل الإعلام الإيرانية العراقيين على إطاحة نظام صدام ، فإنها لم تكن جديدة على العراقيين لكي يتأثروا بها ، وإنما كانوا يسمعونها منذ عام 1980 م ، ولم يعيروها أية أهمية تُذكَر ، فما قيمة هذه التصريحات عام 1991 م ، وهم يستمعون إلى قادة الدول العظمى يحرضون العراقيين على إطاحة صدام .. ومن إذاعات أكثر أهمية وأكبر تأثيرا ؟!
إن الانتفاضة كانت عراقية خالصة ، قام بها عراقيون ، من مختلف الشرائح وأصناف المجتمع .. والخوف أن تُزيَّف حقائقها في المستقبل ، فيخرج بيننا مَن يزعُمُ – ولو بعد سنين – بأنها كانت انتفاضة رجال دين ، أو شيوخ عشائر ، أو ضبّاط جيش .. بينما الحقيقة ستبقى خافية !
قدّمت الانتفاضة الشيء الكثير ، لكنها فشلت في نهاية المطاف .. ترى ما الذي أفشلها ؟ وما هي أسباب فشلها ؟
( ستليها الحلقة الخامسة )

اقرأ ايضاً

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.44178
Total : 100