في هزيمة حزيران 1967 كانت الأذاعات العربية تصدح بالاغاني و الأناشيد الحماسية و هي تهدد ( أسرائيل ) بالويل و الثبور والقاء مواطنيهم في البحر وان الجيوش العربية على ابواب ( القدس ) و ( تل أبيب ) و لم يبق سوى سويعات قليلة لدخول هذه القوات و من ثم البدء بالقاء اليهود في اليم و صدق المواطن العربي هذه البيانات العسكرية الكاذبة المرفقة بالأناشيد الثورية و ما ان استفاق من نشوة هذه الأغاني الحماسية حتى كانت سيناء و الجولان و الضفة الغربية قد ضاعت و لم يمت احدآ من اليهود غرقآ .
في هزيمة حزيران 2014 نفس الشيئ يحدث فالأناشيد التي تتوعد الغزاة بالحساب و العقاب لا تلبث ان تكون سوى مجرد اصوات في البرية وجد البعض منهم فرصة جيدة لكسب المال فتبارى الشعراء و الفنانين الملحنين منهم و المطربين في تقديم اغاني الحرب التي تذكرنا بأيام الحرب العراقية – الأيرانية و بلد ( المليون نشيد ) كما قيل وقتها .
وبدل من ان تحسب الحكومة العراقية و تتهيأ لكل الأحتمالات بما في ذلك اسوء تلك التوقعات و التي حدثت و بدل من ان تعلن النصر و الظفر بخروج القوات الأمريكية من البلاد دون ان تكون مستعدة لهذا الأنسحاب فالجيش العراقي غير مؤهل لا تدريبآ و لا تسليحآ انما كانت لاسباب عديدة انها كانت مجرد دعاية انتخابية مبكرة و مجد شخصي خاوي و فارغ من اي معنى بدليل ما جرى اليوم من ويلات و مآسي الحقت بالأقليات الدينية التي و لسؤ حظها كانت قريبة من التمدد للمتطرفين الأسلاميين الذين الحقوا بتلك الفئات من ابناء الشعب الكثير من الأذى و الضرر الذي اضطرهم الى الهجرة و النزوح من اماكن سكناهم و تاهوا في شعاب الجبال و اوديته بعد ان عجزت حكومتهم عن حمايتهم من الغزاة و لم تتمكن من تقديم الغذاء لهم فماتوا قتلآ من اولئك و جوعآ من هؤلاء .
اما اليوم فأن الحكومة العراقية تستجدي كل دول العالم في تقديم المساعدة والعون لها و سارعت الى شراء الخردة من الأسلحة من ( روسيا ) و غيرها من الدول التي استغنت عن هذه المعدات القديمة التي لا سوق لها و لا مشتر .
وبدل ان تستثمر الحكومة العراقية وجود القوات الأمريكية بما يخدم مصالح الشعب العراقي و في مجالات عديدة العسكرية منها و المدنية كذلك و كانت تلك القوات على استعداد تام لتقديم كل اشكال العون و المساعدة الى العراقيين و بما يحقق مصالح الطرفين الا ان قلة الخبرة و الدراية السياسية التي تتميز به الحكومة العراقية جعلها تصر على خروج الأمريكان و قواتهم , و كذلك فأن الضغوط الأيرانية و السورية التي كانت تهدف الى اخراج الجيش الأمريكي من العراق و هو يجر اذيال الهزيمة من خلال تمويل و تدريب المتطرفين الأسلاميين ( السنة و الشيعة ) على حد سواء و ارسالهم لمهاجمة هذه القوات بحجة محاربة الأحتلال و قتاله و بعد ان رضخت الحكومة العراقية الضعيفة لهذه الضغوط و احتفلت بنصر اجلاء الأمريكان عن البلاد .
فهاهم السوريون غارقون في مستنقع الحرب الأهلية التي لا يبدو ان هناك من امل قريب في نهايتها و هم اعجز عن مساعدة غيرهم اما الأيرانيين فهم ايضآ في وضع صعب لا يحسدون عليه اذ عليهم دعم الحليف السوري و الدفاع عنه و زج قدرات ( ايران ) العسكرية و الأقتصادية في خدمة النظام السوري و كذلك مساندة ( حزب الله ) في لبنان وهكذا وجدت الحكومة العراقية نفسها وحيدة في مواجهة عدو ليس له من العدد و العدة الشيئ الكثير انما الذي يمنحه تلك القوة و المنعة هو التمسك الشديد بالعقيدة التي يؤمن بها تنظيم ( الدولة الأسلامية ) .
اما اتهام دول موالية للولايات المتحدة و تدور في فلكها و هي اي تلك الدول تستمع جيدآ ل ( نصائح ) الحكومة الأمريكية و تنفذ تلك ( النصائح ) بحذافيرها و القاء اللوم على هذه الدول ( السعودية و قطر و تركيا ) انما هو محاولة مكشوفة و غير موفقة في تحميل تلك الدول مسؤولية الفشل الذريع و الهزيمة المنكرة التي حلت بالعراق و جيشه .
اما اقليم ( كردستان ) الذي كثيرآ ما تغنى بقوات ( البيشمركة ) و قوتها و عظمة امكانياتها وصورت على انها القوة التي لا تقهر و انها الأحتياط الأستراتيجي للجيش العراقي و غير ذلك من الأوهام التي صدقناها او اقنعنا انفسنا بتصديقها , اذ ما ان بدء تنظيم ( داعش ) تحركه في اماكن تواجد ( البيشمركة ) حتى انهارت هذه القوات و انسحبت و في بعض الأماكن تراجعت حتى من دون قتال او مواجهة مع العدو .
ان كل الجرائم و الفظائع التي اقترفها هذا التنظيم الهمجي المتخلف من قتل وتشريد للناس و اجبارهم على تغيير دينهم و معتقداتهم و استباحة اعراضهم و املاكهم و التنكيل بهم الا ان له حسنة وحيدة هي انه كشف عن مدى هشاشة الحكومة المركزية و ضعفها و كذلك الوهن الكبير الذي يضرب في اوصال حكومة اقليم كردستان و قواته ( البيشمركة ) .
فهل تستطيع اغاني الحرب و اناشيد النصر الحماسية من اعادة اولئك البشر الى مدنهم و قراهم و هل تقدر تلك الأهازيج و الهوسات على استعادة كرامة الجيش و هيبته المفقودة ؟