من يظن ان الأرهاب الأسلامي الدموي و العنيف هو اختراع مسجل بأسم ( القاعدة ) او فيما بعد و بصورة اشد و اقسى بالدولة الأسلامية ( داعش ) فأنه يكون قد جانب الصواب كثيرآ فالأرهاب و العنف قد تبنته و أتخذته منهجآ لها عدة حركات و احزاب أسلامية قبل تكوين ( القاعدة ) بعشرات من السنين فكانت الحركة الوهابية في الجزيرة العربية من اوائل تلك المنظمات الأرهابية و كذلك حركة ( الأخوان المسلمين ) في مصر فيما بعد و اعقبتها الحركات الجهادية الأسلامية متعددة الأسماء و القيادات و التوجهات و الدوافع و ان كان الهدف المشترك ( المعلن ) لكل تلك المنظمات الجهادية هو واحد يتمثل في اقامة حكم الشريعة ألأسلامية, و كانت ( مصر ) البلد ذو الأغلبية المسلمة شديدة التدين و الأيمان المسرح و الميدان الملائم لنشاط هذه الحركات والمنجم الذي لا ينضب لرفده بالأفراد و الأعضاء المتحمسين للقتال دفاعآ عن فكرهم و اهدافهم وكانت للدول العربية الأخرى نصيب من النشاط العنيف لهذه الحركات و الأحزاب الأسلامية المتطرفة و ان كان بشكل متفاوت في الحدة و القوة .
وبدلآ من ايجاد حلول للمشاكل الأجتماعية المتعددة من البطالة و الأمية الى السكن العشوائي و الأكتظاظ السكاني و الى ما غير ذلك من المعضلات التي تواجهه المجتمعات العربية بغية عدم تحول اعدادآ من المواطنين الى جانب المنظمات الجهادية فالفقر و الجهل عوامل مهمة في التطرف و التشدد لجئت حكومات الدول العربية و انظمتها القمعية الى اسلوب الأستئصال الجسدي مع اعضاء الحركات الأسلامية و المنتمين لتيارها فغصت السجون و المعتقلات بهم و امتلأت المقابر بجثث قتلاهم و بما ان تلك الأنظمة الدكتاتورية القمعية لم يكن لديها من الحلول للتعامل مع هؤلاء الا في الحل الأمني بعيدآ عن الأصلاحات الأجتماعية او الحوار و النقاش لأن مثل هذه الحكومات لا تملك اساسآ فكريآ متينآ تستطيع من خلاله مناقشة اراء الآخرين و تفنيدها و اقامة الحجة على بطلانها لانها حكومات تتكون من حفنة من الضباط المغامرين الذين لعبت اهواء السلطة برؤوسهم فأداروا مدافع دباباتهم بأتجاه القصر الحكومي فهؤلاء اللصوص ليس لهم من أمور الفكر و المعتقدات دراية او معرفة فكان السجن او القتل هو الحل الوحيد في تعاملهم مع الأعداء و الخصوم .
ان الفكر و المعتقد لا ينتهي او يضمحل و يهمش الا بفكر اقوى منه و معتقد ذو حجة قوية و منطق مقنع تتغلب عليه و عندها فقط تكون الحلبة قد فرغت من المهزوم و بقيت بلا منازع للمنتصر و هكذا كان فألتأريخ يخبرنا عن مجاميع من الأفكار و المعتقدات لم يبق لها من اثر الا في تلك الكتب القديمة المهترئة المصفوفة في ادراج المكتبات لا يقلب صفائحها الا المتبحرين في طلب العلوم او اصحاب البحث و الدراسة .
ان االعمل العسكري و الأمني هو مطلوب آنيآ لدرء الخطر المحدق القريب انما هو ليس الحل الجذري في المنظور البعيد لأنهاء تلك الأفكار المتطرفة اذ سرعان ما ينتهي اشخاص من هذه الجماعة او تلك حتى تنهض من جديد و بشكل اكثر عنفوانآ و اندفاعآ و تشكل خطرآ اكبر من تلك التي سبقتها و هكذا تتوالد الأفكار و المفاهيم و تصبح اكثر عدوانية و شراسة حين تقمع و تخنق بشكل عشوائي يعتمد اساسآ مبدأ الأستئصال للأشخاص و ليس للأفكار و المعتقدات .
من هذه المعادلة نتج عن قمع ( الأخوان المسلمين ) و اعدام قادتهم في مصر ان ظهرت تنطيمات جهادية مقاتلة لا تدعو لأقامة الحكم الأسلامي فقط كما كانت دعوة ( الأخوان المسلمين ) انما كفرت المجتمع المصري برمته و اعتبرته يعيش في عصر الجاهلية الأولى قبل ( الدعوة الأسلامية ) و هو مجتمع كافر وجب قتاله و استتابه وكذلك جوبهت هذه الحركة الجديدة بالحديد و النار و الأعتقال و التنكيل بها فكانت الهجرة الى ارض الجهاد الجديدة ( افغانستان ) فكانت منظمة ( القاعدة ) التي هي عصارة الأفكار الجهادية العنيفة و اختزالها و ذوبانها في بوتقة ( القاعدة ) و التي تميزت عن غيرها و تباهت بالعنف و القتل المفرط و بطريقة اكثر وحشية و قسوة و عندما مل الرأي العالمي تلك المناظر الوحشية و سئم من تكرارها و لم تعد مؤثرة بالمقدار الأول فكان لابد من حدث كبير يعيد الأنتباه اليها و يبعد الأهمال عنها فكانت احداث ( ايلول 2001 ) الأستعراضية و ان شدت الأنفاس حينها الا انها كانت الذريعة المطلوبة في تدمير ( القاعدة ) وانهاء دولتها و هدم امارتها .
كان هنا و هناك بصيص من ارهاصات لفروع ( القاعدة ) فكان ( العراق ) ساحة لها و اخرى في ( افريقيا ) و ثالثة في ( آسيا ) البعيدة و لكنها كانت كوميض النجم ما ان يلمع حتى سرعان ما يخبو و يخفت حتى كانت ( الدولة الأسلامية في العراق و الشام ) و الذي اطلق عليه لاحقآ اسم ( داعش ) استهزءآ و تصغيرآ لهذا التنظيم الذي استطاع و بفترة وجيزة من اجتياح و احتلال اراض واسعة في سوريا و لاحقآ احتل ثلث مساحة العراق الجغرافية متمثلة بثلاث محافظات كاملة و اجزاء من محافظات اخرى .
ان الذين يقاتلون مع هذا التنظيم هم بالتأكيد ليسوا من المرتزقة العاطلين عن العمل او الباحثين عن المال و الثروة انما هم محاربون عقائديون يستندون في ( جهادهم ) على تفاسير موجودة في كتب دينية معتبرة و محترمة عند اغلب المسلمين لذلك فهم و ان استطاعت االقوات العسكرية المدججة بالسلاح من التصدي لهم و القضاء عليهم انما سيكون ذلك انتصارآ مؤقتآ و سوف يظهر جيلآ آخر اكثر تطرفآ و تشددآ و بالتالي اكثر قتلآ و فتكآ و دموية ما لم يتصدى علماء المسلمين من اصحاب المعرفة و الدراية و العلم بالنصوص الدينية و الحجج المقنعة و ينبري لمناقشة هؤلاء و تفنيد معتقداتهم و ارائهم و دحض مزاعمهم عند ذلك فقط من الممكن لجم تلك الأفكار و الأراء و ايقافها عن النمو و الأنتشار و اذا لم يكن للمتصدين لهذه الجماعات من الحجج الدامغة و البراهين المقنعة عندها سوف يسود منطق القتل و الدمار و تكون الغلبة و الأنتصار لكتب شيوخ و ائمة لم يكن يعنيهم شيئ آخر غير قتل الأنسان المختلف معهم في الرأي اي انها الكارثة .
مقالات اخرى للكاتب