أوتو وربرغ مِن اشهرعلماء كيمياء زمانه. تخرج على يديه بعضُ حَمَلة جائزة نوبل, منهم *هانس كريب* صاحب دوار كْرَيَبْ الذي يَعلمُه دارسو الكيمياء. ومِن كتاب كريب هذا. إستقيتُ بعضَ ما أسَطِره هنا. أنيط بوربرغ الإشرافُ على غِذاء الجيش الالماني في الحرب العالمية الثانية. هَرَعَ كِبارُالنازيين الى جيرنج (مِن بِطانة هتلر) يَحتجون على تعيينِ *يهوديّ*ِ بمنصِبٍ خطير. أجابهم جيرنج: *أنا مَن يُقررُ مَن هو اليهودي* بمعنى إن المواطنَ ليس بدينه أومَذهبه او قوميته أوعُنصِره, بل بإخلاصه لوطِنِه: حكمةٌ, ما أحرانا, نحن بها اليومَ. وبعد الحرب رُشِّحَ وربرغ لجائزة نوبل, رَشَّحَهُ لها علماءٌ من طلابه في المَهجَر, وهو أهلٌ بها, لكن الطلبَ رُفضَ مرتين او أكثر بدعوى ان أوتو وربرغ تعاون مع النازي. ماذا كان بوسع اوتو وربرغ ان يفعلَ, يرفضُ لهتلرَ طلباً, فيروحُ رقما بين الملايين التي قضى عليها ذلك الطاغية؟, هو فقط, خدَمَ في الدولة الالمانية التي كانت (وما زالت) قائمة, خَدَمَ في موقعٍ هو الأقدرُعلى إشغاله.
وبنفس السياق نقول: وماذا كان بوسع البعثي السَوي, أقول السَوي, ان يفعل, يُعارض *ويروح بشِربَة مَيّ او كما يقول البعضُ: الطايح رايح* وهو يرى كيف نُحِرَ قادة مِن الحزب وغيرُهم في لمْحِ البَصَر؟. أم هل كان بوسع هذا البعثي السوي (وحسب موقعه الوظيفي) ان يتركَ الحدود مُشرعة او ان يغظ الطرفَ عن عصابات الجريمة المنظمة والسرقات (التي تشرعنت في هذا العهد) وشبكات التجسس ألتي استوطنت وترعرعت في الوطن كما هي الآن. كم مواطنٍ حُرٍ, مَدَّ له بعثيُّ سَوِيٌ يدَ العَونِ او تغافل عن فعلِه (مع ما في ذلك من مخاطر). وكم منا فتح له بعثي متقدم, فتح له صدره, شاكيا الانحراف وسوء الاحوال والإنحدار ورغبته في التصدي أنّى أمكن. ضحّى بعثيون, قادة وغيرهم, بحياتهم و بالجاه والمال والمنصِب, في تصديهم للطغيان والإنحراف, في حين يغادرالوطن مَن لا يؤبه له, ليعودَ (بعد زوال الخطرإإ) يُريد ان يُحسبَ (ويُحسبُ) هروبُه وسِنيِّ تسولِه على أعتاب الاجنبي, يريدُ ان تُحسبَ تلك, سِنِين جهادية.
ثم يأتي *إجتثاث البعث*, ليُجَرمَ عضوَ الفرقة اوالشعبة فما فوق ويُبرأ مَن سواهم. هل كان كل العُمداء والاساتذه والمعلمين الذين وشوا بزملائهم وطلابِهم وأرسلوهم إلى المشانق, أم هل كانت المُعينة (الفرّاشة) بالمدرسة التي تستنطق الاطفال عن آبائهم, لتشي بهم وتودي بهم وهل أن رجلَ الامن الذي كان يُعذِّب على هواه ويبتزُ ويستبيح, أم هل كانت زُمَرالنارالتي أعدَمت الوف الجنود والضباط, بتهمة *الجُبْن* إبّانَ معاركِ الحرب العراقية الإيرانية, هل كان كُلُّ هولاء من الكادر المتقدم؟. كان قانون الاجتثاث, ذاك مَزيجٌ سمِجٌ من العفو العام عن الكادرالواطئ ومن العقوبة الجماعية على الكادر المتقدم وكلاهما لا يمييز بين المُذنبِ والبَرِئ وأخذِ البرئ بجريرة غيره ومع هذا وكما ذَكَر.َايضا, الاستاذ عزة الشابندر ومن على قناة الشرقية, قبل ما يقرب من عام في برنامج العشاء الاخير*ان قانون الإجتثاث, ما كان يُرادُ له ان يطول ولكن مُدَّ في عُمِرِه لأغراض أخر. وعندي ان القانون ما كان له ان يبقى اطول مما يلزم لكي يَفقدَ رموزُ السلطة في العهد السابق ما اكتسبوه من نفوذ أو بعدَ ان يتوبوا الى الله أو يطويهم النسيانُ أو تطويهم اللحود. هل نحن بحاجة الى قوانين لمحاسبة المجرمين في كل عهد؟ هُمْ مِلةٌ واحدة. هُم مجرمون ليس لانهم شيوعيون ولا لانهم بعثيون أو دعاة أو إسلاميون, هُمْ مجرمون أنىّ كانوا هم حزب الشيطان. أليسَ قانونُ العقوبات الذي مازال سارياً, بكاف؟ وهل التعرفُ عليهم عَسير و*دَمُ الشهيد فَمُ*؟.
فماذا يُرادُ إجتثاثه؟. الحزب؟, إن ايَّ حزب, يُمكنُ إختصارُه الى شعاراتٍ وممارسات. شعارات حزب البعث: وحدة, حرية, اشتراكية لقد كفتكم سُلطةُ الحزب عَناءَ إجتثاثَاتها. الوحدة العربية لم تتقدم قيدَ أنمُلة ولأول مرَّة يَحتلُ بلدٌ عربيٌ بلداً عربيا آخر. كما ان التنكيل بالشيعة وغالبيتهم المطلقة عربٌ اقحاح, اوشك ان يبلغ حَدَّ التطهيرالعرقي ويقلبَ المعادلة السكانية لغير صالح العاملِ العربي في المعادلة, ساعد في هذا التوجه, إغراقُ الحزب وقياداته بغير العرب, مُستعربين وغيرِهِم.
إن نظرة الى الواقفين على شُرفة القصرالجمهوري (صدام يُحيط به, طه جزراوي وطارق عزيز ومحي الدين معروف وخلفهم صباح مرزا) وإلى ازياء الجموع التي جاءت مهنأة,عصرَ يوم مجزرة أعضاء في قيادة الحزب, كُلهم عربٌ, النظرة الى كل ذلك, تُنبيكَ ان حزب البعث العربي, في العراق, لم يَعُدْ عربيا وربما لم يكن يوما ما. فالحزبُ في العراق صارحزب ميشيل عفلق (وذاك في سوريا, حزب حافظ الأسد). عفلق لم يشكل حزبا عربيا يوما ما, فحزبُه كان اسمه حزب البعث الإشتراكي وأريدَ به مُحاكاة حزب تيتو( الشيوعية الوطنية, لا الأممية) وعند اندماج حزب عفلق مع حزب الحوراني (الحزب العربي الإشتراكي) تحول الاسم الى حزب البعث العربي الاشتراكي ليس فقط ان حزب بعث ميشيل عفلق ما عاد عربيا بل لم تبقَ لحزب البعث (في العراق) سلطة, وصار للسلطة حزب. وحزب السلطة اياه كان وراء الكوارث. وانا شخصيا سمِعتُ صدامَ يوَجهُ وزيرَ خارجيته شاذل طاقة: أن اشتروا مَقرّاتٍ لسفاراتكم, *فدَولة العراق باقية*. وإذا الكلام عن الوحدة هذيان. لم يكن الكلام مفاجأة, ففي صفقة قيام دولة العراق, الا تسعى هذه الدولة الى وحدةٍ عربية.وعليه فالخَوفُ من شعار الوحدة العربية قد بولغَ فيه كثيرا.ً فلم يكن غير*قميص عثمان* إلتف حوله اعداء العرب في العراق وخارجه. أما عن شعارالحرية, فتجيب عليه السجون التي *كانت* مُكتظة بمعارضي النظام. ولم تكن الإشتراكية غيرَ مشاركة الناس بأموالهم.
وماذا بعد قانونِ تحريمِ وتجريم حزب البعث. حُرِّمَ وجُرِّمَ الحزبُ النازي في المانيا, فظهرت احزابٌ لا تختلف عنه, في ألمانيا وفي اوروبا, تحت مُسميات أخر, ك *اليمين المُتطرِف* و*الجبهة الوطنية* وحتى في امريكا هناك *المُحافظون الجُدد* وكلها لاتختلف كثيرا, عن الفكرالنازي. ولماذا نذهب بعيدا, ففي العراق قامت احزاب بعد سقوط سلطة البعث, أسمائها هي اسماء الإثنيات التي تمثلها, فهناك *الاحزاب الكردستانية* أي احزاب ارض الاكراد وكأن ليس في ارض الاكراد غير الاكراد. وهناك *الحزب التركماني* والحزب *الآثوري* أو *الكلدو اثوري* وكلها احزاب قومية وكلها تدعوا الى وحدة اقوامها والى ارض تقيم عليها كياناتها ومنها من طغت على ممارساته الغطرسة والإستعلاءُ والتطلعاتُ غيرُ المشروعة, واليوم نسمع صدى ما قاله بيغن: *انه سيظمُ ألى اسرائيل كلّ ارضٍ إذا كان هناك سَندٌ تاريخي, حتى لو لم يكن فيها اسرائيلي او كانوا قلة* وما اسهل عليه وعلى امثاله فبركة *السنود*. فماذا إدَّعى حزبُ البعث, اكثر نازيةَ من هذا وحتى بدعواته الوحدوية, لم يكن صادقا. وكانت الوحدة الثلاثية مَهزلة ومَسّخرة. أن شعار الوحدة العربية جلب على الحزب نقمة الاقليات العرقية في العراق والتي إنظّمَ الى الحزب ابنائُها ليَحرِفوه, فضلا عن نقمة الحكام العرب الخائفون, كلهم, من الوحدة.
ظاهرة قيام احزابٍ, على أنقاض *حزب البعث*, لا تقل سوءً بل ربما اسوء, بما جلبته من مُحاصصة وتفكك, هذه الظاهرة, ليست فريدة, فنجد مِثلها في عالم المخلوقات حتى المجهرية منها. فعند *اجتثاث* جُرثومة معينة من الجسم , كلامعاء وجهازالتنفس مثلا, يعقبُها, احيانا قيامُ جراثيمَ اشد فتكا من سابقاتها, نقف نحن عاجزين أزائها ولا نلوم الا انفسَنا على سَهْوِنا وعدَمِ الإحتياط لمنع ظهورها. وقد نلجأ احيانا الى اللامعقول لدرء خطرالجراثيم الجُدد فمثلا (وفي آخر ما كُشف), في حالة الاسهال المُميت غالبا والذي يعقبُ اجتثاث جراثيمَ الامعاء المتوطنة فيها, قد لا ينفعُ, لعلاج الوافد الجرثومي الجديد, غير ان يشرب المُصابُ (يُدخَل الى المعدة بإنبوب) *غائطَ* غيرِه ولو أن هذا العلاج غيرُ*مُستحَبٍ*عُموماإإ. فائدة غائطِ الغًير تكمُنُ في إحتوائه على جراثيمَ مُختلفة قد تقضي على الجراثيم المُسببة للاسهال المميت. ماذا ترى سيدي القارئ, نقبل بالجرثوم القديم ام الجراثيم الجديدة, ام *العِلاج* الجديد, أم لا هذا ولا ذاك, بل جسم بلا جراثيم, وهل هذا ممكن؟. تحقق حُلمُ المرحوم عزيزعلي, حُلمهُ بفجرٍ باسم, تحقق له ولنا على يدِ الكريم عبدالكريم. فهيا نفتش عن الضالة المنشودة, أو نخلقها ومعها فجرٌ باسمٌ جديد.
*العبرة*: هي انك قد تجتث شيئا فيعقبه اسوء و*الحَلّ*ُ: هو في إستحضاروإستنهاضِ ما تبقى لنا من مَناعة ذاتية كامنة, نتَصَدى بها للجرثوم الإنتهازي الذي إستغلَّ فَراغَ الساحة. أما *الافضلُ والأمثلُ*: فهو ألا نسمح بأن تستوطنَ الجراثيمٌ أجسامَنا.
*ليس المرء مَن يتخذُ للامرِأهبتَه, اذا وقع, إنما المرءُ مَن إحتاطَ للأمرِحتى لا يقع*
مقالات اخرى للكاتب