دخلت الأزمة السياسية منعطفا خطيرا بعد سيل الاتهامات الأخيرة المتبادلة بين الحكومة والمتظاهرين سيما فيما يتعلق بالصلاة في ضريح الإمام أبي حنيفة النعمان ، ففيما حاولت الحكومة منع ورود المصلين إلى ضريح الإمام من خارج منطقة الأعظمية خشية الفتنة وتحويل الصلاة إلى تظاهرة سياسية اعتبر المعارضون هذا الأجراء تعديا على حقوقهم واستهانة بمشاعرهم حتى إن البعض قد نادى بالدعوة إلى نصرة الأمام والمطالبة بموقف إسلامي تحشيدي ضد إجراءات الحكومة .
وفي ظل هذا التنابز السياسي الواسع والتراشق الكلامي العنيف أصبح الأمام أبي حنيفة النعمان ورغما عنه طرفا في الأزمة السياسية ، وفي ضوء ذلك جرى استعادة ذلك التأريخ الذي كان فيه العراق وأمامنا الجليل ضحية من ضحايا الصراع السياسي ذو الغطاء الطائفي بين الجانبين العثماني والصفوي ثم القاجاري .
أن ما يجب أن نتذكره عند ذكر هذا الأمام الجليل انه أمام عراقي قبل أن يكون أمام إسلامي ، فهو من مواليد العراق – الكوفة حيث ولد في عام 80 هـ / 699 م ، كذلك يرجح انه من اصل عراقي كما ذكر ذلك عدد من المؤرخين القدماء أبرزهم الخطيب البغدادي أما من المحدثين فأبرزهم مؤرخي العراق الكبيرين مصطفى جواد وحسين علي محفوظ فيما عده الدكتور ناجي معروف من عرب العراق ما قبل الإسلام ، ومن اشهر ما قيل بشأن أصله انه من نبط العراق وهؤلاء هم سكان العراق الأصليين وقت الفتح الإسلامي ويمثلون بقايا السومريين والأكديين والبابليين والآراميين .
ودلالة عراقية هذا الأمام الجليل هو ورود لفظة نعمان الآرامية مرتين في تركيبة اسمه وقد تسمى بهذه التسمية عدد من ملوك الحيرة قبل الإسلام ، وقد عرف عن الأمام انه كان معارضا للحكم الأموي إذ ساند حركة زيد الشهيد كما كانت له مواقف خلافية مع بعض خلفاء بني العباس من أبرزها رفضه تولي كرسي القضاء لصالح الخليفة أبو جعفر المنصور ما أدى بالأخير إلى سجنه ومن ثم التسبب بموته رحمه الله .
إن الإمام أبي حنيفة النعمان ليس إمام لطائفة واحدة بل هو أمام للعراقيين جميعا ليس لأنه عراقي وحسب بل ولأنه كان على الدوام عابرا للانتماء السياسي والطائفي ، فقد عاش معارضا ومات معارضا وقد ضرب مثلا عاليا في الثبات على المبدأ وفي رفض مغريات السلطة .
مقالات اخرى للكاتب