في ستينات وسبعينات القرن الماضي كان المعلِّمون والمدَّرسون يضربون الطلاب . بل كانت مشاهد بعض الأساتذة ممن يحملون ( الخيزرانة ) أو ( القمجي ) مألوفة في بعض المدارس , سواء أثناء الفُرَص وهم يتمشون في الساحات , أو خلال الدرس .
ولكن السؤال هو : لماذا ومتى وأين كانوا يضربون الطلاّب ؟
الجواب هو : عندما يأتي الطلاّب إلى مدارسهم ولم يحضّروا واجباتهم البيتية , ولم يحفظوا دروسهم , ولم يحلّوا الأسئلة - ولو محاولة - التي كلّفهم بحلّها أساتذتهم .. فيضربونهم إذاً حرصاً عليهم .
يضربونهم في أماكن ليست ظاهرة للعيان , مثل على الرِجلين , أو اليدين , أو القفا - أحياناً - حين يحاول التلميذ أن يفلت من العقاب من يد أستاذه .
بهذا الأسلوب القاسي والمُدان والمُستهجَن خرّجوا علماء وفطاحل , خرّجوا رجالاً مؤدبين متربين محترمين !
بيد أنه مع مطلع الثمانينات خفّت تلك الظاهرة , تحديداً مع بروز طلاّب صاروا أعضاءً بحزب البعث العربي الإشتراكي , فانقلبت المعادلة , وصار الأستاذ هو الذي يخاف من الطالب , وليس العكس !
ثم في العقد التسعيني وسنوات الحصار غابت تلك الظاهرة غيبة كلية , والكل انشغل بلقمة عيشه . فلم يعد الأستاذ حريصاً على طلاّبه , بقدر حرصه على توفير لقمة له ولعائلته . ولم يعد الطالب يهتم بدروسه ومستقبله . لقد انتهى النظام التربوي بشكل شبه كامل .
اليوم , وبعد سقوط النظام السابق , وبدلاً من أن نطبّق نظاماً تربوياً متطوراً وناجحاً ورصيناً , مجاراةً للدول المتطورة , أدخلنا الشكليات والخزعبلات والترهات والثقافات الظلاميّة والمفاهيم الطائفية إلى مدارسنا .
وأوكلنا تعليم أبنائنا وبناتنا إلى جيل من المعلِّمين والمدرِّسين , أقلّ ما يمكن أن يُقالَ بحقه , ان نصفه مشوّه ومريض وأميٌّ , وهو يحتاج إلى تربية وإعادة تأهيل وتثقيف قبل طلابه .
لا يفهمنَّ أحد بأن هذا إنتقاص أو إهانة للكادر التعليمي والتدريسي , بل هو توصيف لحقيقة نعاني منها في العراق , وعلينا أن نصرّح بها ونعلنها للعالم , كي نحرّض على إيجاد الحلول والعلاجات الناجحة لها .. هذا من جهة .
ومن جهة أخرى علينا أن نقّر ونعترف بأن الدولة ما تزال مقصّرة بحق هذا الكادر المرَّبي والتعليمي , فالمعلّم أو المعلمة , المدرِّس أو المُدرِّسة يقضون نحو نصف يومهم في تربية وتعليم الأطفال والشباب في المدارس وخارج بيوتهم , مقابل إجور وخدمات دون الطموح والمستوى المطلوب .
إننا في الوقت الذي نستهجن فيه الإعتداء والضرب غير المبرر الذي تعرضت له الطفلة " فاطمة " في مدرسة " خولة بنت الأزور " في الحريّة منطقة الخالصة ناحية الوحدة , لسبب سخيف وتافه . نطالب بعدم الإستمرار في الإدانة والتشهير بالست " رواء " المعلمة , وكأنها هي الوحيدة التي تمارس هذا الفعل بالعراق .
يجب أن يسود نظام تعليمي حقيقي وجديد في العراق .. نُبعد عنه أسلوب الضرب , ونمنع فيه العُطَل التي لا تتوقف , ونجنّب أولادنا وبناتنا ثقافة الخرافة والظلام والعبودية والقهر والطائفية , ونبني لهم المدارس الحديثة , ونأثثها بكل ما هو حديث وجديد , ونعد الكادر التعليمي والتدريسي إعداداً جيداً .. هذا هو المطلوب , وعندها سيكون شعبنا بخير , وسيتطور ويتقدّم العراق .