من قال ان قوة الدول و منعتها تكمن في وسع الأراضي و كثرة النفوس فهو واهم, فعندما نقيس بلدان العالم كلها سنجد ان البلدان المنسجمة اجتماعيآ و بغض النظر عن مساحتها و عدد سكانها هي البلدان الأكثر استقرارآ و اكبر تأثيرآ من تلك التي تتمتع بالمساحة الكبيرة و بالنفوس الكثيرة و لكنها غير منسجمة في عاداتها و تقاليدها الى الحد الذي يصبح فيه التصادم بين مكونات هذه المجتمعات امر وارد جدآ و ممكن ان يندلع الحريق المدمر من اول شرارة صغيرة . ان الكثير من البلدان و الدول التي تشكلت قديمآ و وفقآ لظروف اجتماعية او اقتصادية معينة و في فترة زمنية محددة ليس بالضرورة ان تكون تلك المصالح التي تشكلت على اساسها هذه الدول دائمة و مستمرة الى الآبد , و ليس بمعنى ان تفكك هذه البلدان الى عدة دول ان تكون دولآ ضعيفة لا حول لها و لا قوة و لو اخذنا المثال القريب لانهيار روابط االأتحاد السوفيتي و تحوله الى عدة دول و كيف برزت روسيا اقوى من ذي قبل سياسيآ و اقتصاديآ و اصبحت دولة عظمى واقعيآ .لقد اثبتت الوقائع و منذ سنين ليست بالقليلة ان الوشائج التي تجمع مكونات الشعب العراقي واطيافه هي اكثر هشاشة مما كان متوقعآ و مما كنا نتصوره . حيث لم تستطع الانظمة العراقية المتعاقبة و المختلفة الأفكار و الرؤى و منذ نشؤ الدولة العراقية اي ما يقارب المائة عام لم تستطع هذه الحكومات من خلق هوية وطنية واحدة تجمع هولاء الناس الذين يقطنون هذه البقعة من الأرض الممتدة من زاخو حتى الفاو و تجعل منهم مواطنون يشعرون بأنتماء حقيقي لهذا الوطن الجديد الذي اسمه العراق , فلا الكردي قبل بالهوية الوطنية الجديدة و لم يفضلها على هويته القومية التي ظل مخلصآ لها و بقيت احلام الدولة المستقلة تراود مخيلته , ولا العرب بشقيهم المذهبي استطاعوا الخروج من قوقعة الطائفة الى عالم الوطن فظلوا داخل تلك المساحة الضيقة من التفكير فتقزم الوطن ليصبح اسير الطائفة و ليس العكس . يبدو ان اندماج ولايات بغداد و البصرة و الموصل بعد زوال الحكم العثماني و تكوين الدولة الجديدة لم يكن موفقآ و بقي الأنقسام كامنآ في النفوس ينتظر اللحظة المناسبة ليخرج على شكل حروب اهلية مدمرة تجرف في طريقها كل معالم الحضارة و الحياة , واذا كانت قوميات هذا ( الشعب ) و طوائفه و بعد عقود من الزمن لم تستطع من الذوبان في بوتقة الوطن و لم تستطع من خلق ثقة متبادلة و بقيت علائم الشك و الريبة هي المسيطرة على العلاقة بين هذه الأطراف فمن الأفضل اعادة النظر في تكوين الدولة الحالية.