ــ كتب : فائق الشيخ علي
ما يحصل في الانبار منذ أسابيع وفي بعض مناطق الوسط من تظاهرات ضد رئيس الوزراء هو صراع سلمي ( حتى هذه اللحظة ) لكسر الارادات بالمفهوم السياسي العام , وان شابه عنف طفيف في بداياته .
غير ان هذا الصراع في الدول الاخرى يؤدي الى أحد أمرين , وهما : اما أن يتطور الى صراع عنفي يؤذي جميع الاطراف المتورطة فيه , ثم يتوقف أو يستمر بأسوأ سيناريو غير متوقع , أو ينتهي الى تنازلات تقدمها الاطراف , كل منهم الى الاخر , وتتم التسوية .
بيد أن الوضع عندنا في العراق سيؤدي الى نوع آخر , يختلف تماما عما يجري ويحصل ويؤول اليه في دول العالم .. حيث لن يتنازل أي طرف عن موقفه , وسيرسّخ الطائفيون حكمهم بالعراق . فلا المتظاهرون يتوقفون عن تظاهراتهم , ولا رئيس الحكومة يبدي أي تنازل لهم .
لقد أمسى الخروج الى التظاهرات لدى متظاهري الانبار قضية شرف وغيرة ونخوة وارادة , ولهذا سيواصلونها . مثلما بات لدى رئيس الوزراء النزول عند ارادة المتظاهرين هزيمة للشيعة ولحكمهم العراق .. هكذا قام يروّج هو نفسه بين أوساط الجنوب . في حين ان الموضوع لا هو قضية شرف ( مع الاحتفاظ بالمطالب المشروعة ) تستوجب التحريض والاصرار على التظاهر , ولا هو قضية الحفاظ على الشيعة وعلى حكمهم العراق .
القضية ببساطة هي أن طرفا محركا يريد المزيد من المكاسب السياسية والمالية , فيطالب بها بصورة ملتوية , وطرفا لا يريد أن يفرّط بما حصل عليه من مكاسب سياسية ومالية كان يحلم بها , فصار يحتمي بالطائفة , ويلوّح لهم تخويفا وترهيبا بعودة البعث والمقابر الجماعية .
أقول للمتظاهرين بصريح العبارة من دون لبس أو مجاملة : لن تستطيعوا اسقاط رئيس الوزراء بهتافاتكم لوحدكم , ما لم تتحالفوا مع الشيعة , بل ان الشيعة ان لم تسارعوا الى ذلك سيلتفون حوله وسيتمسكون به , ربما ليس حبا بشخصه , وانما خوفا على مصيرهم ومصير أي رئيس وزراء شيعي آخر . يجب أن تفهموا وتعوا هذه الحقيقة .. هذا اذا كنتم فعلا تريدون اسقاط رئيس الوزراء .
أقول هذا الكلام لكم بهذه الصراحة , لأنني أعلم علم اليقين بأن بعض الاطفال الذين هم وراء هذا التصعيد , لا يهمهم العراق ولا مصلحة البلد ولا شعبه , ولا حتى يريدون اسقاط رئيس الوزراء , انما جل همهم , كم يضعوا من الاموال في جيوبهم , وكم يكسبوا من المواقع السياسية لهم ولأبنائهم وبناتهم وأقاربهم .. مع كامل الاحترام والتوقير للضحايا الذين سقطوا خلال المواجهات , والجهود والاموال التي صرفت في طريق هذا التصعيد .
ان الذي يدفعكم للتظاهر ويقودكم ويضع لكم الشعارات وتسميات الجمع , لا يهمه أنتم ومصيركم , لأنه ببساطة لو كان يريد ذلك لرفع مطالب مشتركة لكل العراقيين , ولنسّق مع القوى الاخرى للتظاهر ضد رئيس الحكومة , ولما رفع عَلَم النجوم وصور صدام , ومجّد النظام السابق وردد الهتافات المؤيدة له , ولوّح بالثأر والاقتصاص .. لما فعل الشيء المشوب الكثير الذي تخلل _ وما يزال _ التظاهرات .
لعل التذرع بأن التظاهرات مخترقة من قبل الآخرين , فلعمري لا أدري هل هؤلاء الآخرون أجانب وغرباء عنكم , أم منك وفيكم ؟ لماذا لا تفرزونهم وتعزلونهم عنكم ؟ أو ليس أنتم العشائر الحاكمة في مناطقكم ؟ ثم كيف يزعم _ من زعم فيكم _ بأنه قادر على الزحف على بغداد واسقاط الحكومة وطرد عملاء ايران , وهو ليس بقادر على طرد بضعة نفر يعيشون معه من مخترقي التظاهرات , وليسوا بعيدين عنه ؟
انكم بكل الذي فعلتموه حتى هذه اللحظة في تظاهراتكم , كان من شأنه أن أحرج شيعة العراق , ووضعهم في زاوية لا يحسدون عليها . لقد كان لدى هؤلاء _ وما يزال _ مطالب أكثر من مطالبكم , ومظالم أكثر من مظالمكم .
ليس من شأن هذا الكلام المقارنة بين أبناء البلد الواحد , والمزايدة في عرض المظالم , بقدر ما هي ملامة وصدمة كي يصحو الآخرون من غفوتهم وسهوتهم . كان يفترض , ولا يزال الوقت أمامنا كافيا بأن تتبنى التظاهرات مطالب سياسية وخدمية مشروعة , يشترك بها كل العراقيين , وتكون بدلا من الانبار في بغداد العاصمة .. ولكنكم صعّدتم وكل تصعيدكم صبّ في مصلحة رئيس الوزراء للأسف .
ولكي لا يرتعب القارىء الطائفي من هذا الكلام ويصاب بداء الرعّيصة , أقول له هوّن عليك فانني لم أكمله بعد !لمن لا يعرف رئيس وزراء العراق , أكشف له : ان الرجل قد قضّى عمره , في مرحلتي جواد ونوري , كرجل أزمة لا رجل حل , ورجل ثأري غير مهتم , لا رجل تسامح ومحبة , وهو ما يفسّر سر وجهه المكفهّر دوما , وسر اختياره لسائر الوجوه العابسة المحيطة به من حوله .
يؤمن ايمانا جازما بأن أية أزمة تعترض العمل السياسي يجب أن تتركها تحلّ نفسها بنفسها , من دون أن تتدخل في حلها , فان لم تُحَل ليس عندك ما تخسره , وان حُلَّت جنيت أنت الداعية المتفرّج مكاسبها . وهو ما حصل فعلا , وأثبت التاريخ صحة هذا الموقف .. والاّ حزب الدعوة هل كان في العير أو النفير في عملية اسقاط صدام _ تحديدا _ من قبل الولايات المتحدة ؟ الجواب لم يكن طرفا فيها , لا من قريب ولا من بعيد , بل على العكس تماما من ذلك , انه كان ضد اسقاطه , ولكن قياداته أول من جنت المكاسب والامتيازات , بدل الداعين الحقيقيين والعاملين الجادين على اسقاطه !
يراهن رئيس الوزراء اليوم على استمرار المظاهرات بصيغتها الحالية وشعاراتها في الانبار , وسيعمل بدأب على استمرارها , وسيغذيها ويدعمها بشتى الطرق , ما خفي منها وما علن , وسيماطل بالاستجابة الى أي مطلب من مطالبها _ سيما المشروعة منها _ حتى موعد انتخابات مجالس المحافظات . لأنه يظن ويعتقد انها هي التي ستفوّزه بالانتخابات , خاصة بعد أن انكشفت جميع الاوراق , وخسر كل محاولات اللعب فيها , وساءت سمعته بين العراقيين , وانفضحت أساليبه , وعم الفساد كل مفاصل الدولة , بسببه وبسبب سياساته .. لم يعد يملك شيئا غير هذه الورقة , ولو نزعت منه لخسر آخر ما بقي لديه .
انني أنتخي أهل الانبار أن يوقفوا هذا العبث , ويسحبوا البساط من تحت أرجل رئيس الوزراء , على الاقل لما بعد الانتخابات المحلية , وبعدها لدينا الوقت الكافي للحديث في أشياء كثيرة .
هذا النداء ان لم يستجيبوا اليه , سوف يحصل أمران :
الاول : سيبقى المالكي في الحكم , وأنا أهنئه مقدما .
الثاني : ان الذي أوصلنا الى هذا الحال هم الطائفيون من أهل الانبار , وليس الشرفاء من الحريصين منهم على العراق وأهله .
وتحت هذين البندين ستتضاءل حظوظ المدنيين والديمقراطيين من الداعين الى بناء العراق وانتشاله من المستنقع السحيق الذي وصل اليه .
آن الأوان لشرفاء العراقيين أن لا يبقوا متفرجين ساكتين على مايجري في العراق من صراع لكسر العظام والارادات , بين نفر من متلبسي السياسة .. آن لهم أن يصرخوا في وجوههم ويوقفوهم عند حدهم .. ويقولوا لهم : كفاكم عبثا ببلدنا وانساننا ومقدراتنا .. كفاكم أيها الأوغاد