عاشت ألناس أيام زمن ألعيب بفلسفة أخلاقيه ترتكز بكل معطياتها على ألعيب، وكانت نتاج مزيج من الأفكار ألدينيه والعرف ألذي توافر تطبيقه، وصار بمثابة قانون للحياة، وألذي أستمد صيرورته من أخلاقيات لم تكن نتاج ألأفكار ألدينيه وحسب ،وإنما تجمعت من أنماط سلوك أضفى عليها ألدين وما اعتادت عليه الناس من قيم ألقبيلة والتي امتزجت مع قيم المجتمع ألحضري وتداخلتا إلى الدرجة التي ذابت كل منهما في الأخرى وأنتجتا مزيج من هذه الأخلاقيات التي سادت المجتمع آنذاك ،وحتى أولئك أللذين لم يكن لهم مستوى ثقافي ليدركوا كنه هذه الفلسفة ،فأنهم كانوا مجبولين عليها طوعا لأنها اصبحت قانون الحياة.
يومها كان الأب يعلم أولاده ويقول لهم، إذا تكلم ألشخص ألكبير كالأب أو ألأخ ألكبير أو ألزائر فيجب عليكم السكوت عن الكلام ، ولا تجلسوا إلى جوارمن هو اكبر منكم سنا كألجد أو ألأب ، ولاتضعوا ساقا على ساق بحضورهم، أو حضور من هو أكبر منكم ،وكانت السرقة شبه معدومة، والرشوة معدومة تماما، وأذكر من بقايا زمن ألعيب، أن مفوضا للشرطة قد أخذ رشوه من شخص قدرها ربع دينار، فحبس على فعلته ستة أشهر، ويوم خروجه من الحبس انتقل وعائلته ليسكن في محافظه أخرى هربا من الناس التي ستدينه على فعلته، وأتذكر أن احد ألأشخاص كان يعمل محاسب في إحدى الدوائر، وحينما أراد تطبيق حسابات الصندوق، وجد أن هناك فرق مقداره عشرة فلوس، ويومها انقلب البيت الى جحيم ،فكان يأتي بعد انتهاء الدوام وهو عصبي المزاج، فيتشاجر مع عائلته دون أن يكون هناك مبرر للشجار، ثم يعود للدائرة مرة أخرى ويبقى فيها إلى ساعة متأخرة من ألليل بحثا عن العشرة فلوس ولم يعثر عليها بعد.
استمر الحال لثلاثة أيام ،وفي اليوم الثالث ،تطوع أحد موظفيه لمساعدته إذ وجد ه متعبا، وأصبح لا يجيد غير مسك رأسه من الصداع، فأكتشف هذا الموظف أن مبلغا قد قيد على انه ثلاثين فلسا وحقيقته عشرين فلسا، عندها عاد الحاج إلى بيته وهو فرحا مزهوا وحينما قالت له زوجته ( جنت أموتنه ثلاثة أيام جان خليت من جيبك عشر فلوس وفضيته ) ضحك كثيرا ،وغادرته كل المتاعب التي عانى منها وقال، لزوجته ( الحكومة عده الفلس والمليون سوه تالي عمري أصبح مختلس عشر فلوس ).
كان العيب يلازم الجميع، فبنت الجيران خط أحمر لأنها بحكم الأخت، والجار هو أخ لم تلده أمك، ومن الشائع أن يسافر الجار وهو مطمئن على عائلته حينما يقول لجاره العيال أمانه برقبتك ، ومن العيب ان يرانا المعلم ونحن نلعب في الشارع فكنا ندخل إلى بيوتنا حتى نراه يبتعد لنخرج مره أخرى، ومن العيب الكذب والنميمة حتى كان الناس ينظرون باحتقار لمن يتحلى بهذه الصفات ،وليس هناك غش في المواد المشتراة او غش في الأوزان، و في أيام العيب كان معدل من ينهي الدراسة ألإعداديه ويكون متفوقا على العراق كله لا يتعدى 90% وليس كما يحصل الآن.
ألآن كل شيء انقلب على ما كان عليه، فما عاد الابن يحترم والديه، والبعض يرمي بهما في دار ألعجزه، والأخ يقتل أخاه ان حصل نزاع على الإرث، وان سافرت فأول من تخشاه جارك، والطالب يتمشى مع المعلم، والبعض منهم يحصل على المقسوم لقاء وعد بالحصول على الأسئله، وقائمة الأسماء البذيئة التي تسمعها من الصغار قبل الكبار حينما ينتهي دوام المدارس يقشعر لها البدن، وبعضها لم يكن من ضمن قاموس البذاءات ،وان تدخلت ونصحت فتسمع ما لايسرك، والأدهى والأمر أن النفوس باتت مريضه، فالأم التي تتناول الرشا الآن بالضرورة تربي أولادها على الفساد بكل أنواعه ،وأوله فساد الذمم ،ولكون ألأخلاق لا تتجزأ فيتوقع منها حتى خيانة زوجها، ولكن لو كانت الأم سليمة من أدران الفساد، ومن النساء اللواتي يهمن تربية أسره صالحه بالضرورة تقف بوجه الأب إن كان فاسد.
قيل إن عجلة الحضارة حينما تدور،تسحق القيم الموجودة لتنشأ بدلا عنها قيما جديدة تتوائم مع منجزاتها الجديدة، ولكن أي منجزات هذه التي شرعن بها الفساد وصار الفاسد هو من يتبوء العناوين الهامة ليسرق من خلالها ويجزل العطاء لمن أوصله الى منزلته هذه.
هل انتهى زمن العيب للأبد؟ الجواب كما يبدوا لي انه انتهى فعلا! ومن ينادي بالعيب يقال له انه متخلف عن الركب، ومن مخلفات الزمن الماضي السحيق، ومكانه المتحف ليذكرنا كيف كان يعيش الناس بظل زمن العيب الذي عاش فيه، والشواهد على انتهائه كثيرة وأولها ، ان ميزانية البلد للعام 2015 هي ميزانية التقشف وشظف العيش، لأن من تولوا المسؤولية لم يحسنوا التدبير، ولم تكن لهم رؤية اقتصاديه يضعوا على اساسها النهوض بالبلد واستثمار ثرواته الطائله، وكل اللذي فعلوه أنهم في خلاف دائم حول المغانم، والبعض اعتبر ان جميع ثروة الشعب هي ملكهم، وحرموا منها زمنا طويلا وآن أوان التمتع بها، وكانت النتيجة ضياع 1000 مليار دولار كما يقول السيد الأعرجي، دون ان يحدد من هو المسؤول عن ضياعها ،وكيف صرفت ومن سرق البعض منها، وماعلينا ا لا أن نقول اينك يازمن العيب؟ أينك يازمن ألقيم؟فبك قد حرم السلوك الخاطىء رغم عدم وجود أحزاب أسلاميه حاكمه تدعوا لذلك، ولا ادري ان كان مفوض ألشرطه لازال حيا ليرى بعينيه، انه لم يكن على صواب حينما هرب من مدينته نتيجة استلامه رشوه قدرها 250 فلسا فألفاسدين باتوا يبلعون الجمل بما حمل دون ان تعرق جباههم ، ولينهض من قبره الحاج ألذي تكدرت حياته وحياة عائلته مدة ثلاث أيام، من اجل 10 فلوس لاغير، ويرى ان البلد لاتوجد لديه حسابات ختامية، فقد صرفت المبالغ شفاها و بوصولات تم حرقها، وكيف ان مجلس النواب الحامي للدستور يخالف أحكام الدستور ويصدق ألميزانيه دون وجود حسابات ختاميه، في حين ألزمت ألفقره أولا من ألماده 62 من الدستور مجلس الوزراء بتقديم مشروع قانون الموازنة والحساب الختامي الى مجلس النواب لإقراره وهذا نص الماده( الماده62 اولا- يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنه العامه والحساب الختامي الى مجلس النواب لاقراره) وفي كل الدورات صدقت ألميزانيه دون حساب ختامي، ثم يخرج النواب على الأعلام بقصد ألشهره والكسب السياسي ليقولوا أن أموال الشعب منهوبه، وكان الاولى بهؤلاء، ان لا يصدقوا ألميزانيه دون ان يرفق مجلس الوزراء الحساب الختامي معها ليعرفوا ويعرف ألشعب كيف صرفت المليارات وما هي اوجه صرفها وبتنا لانبالي الى الدرجه التي يذكرنا بها الأجنبي بأموالنا التي تسرق نهارا جهارا دون خشية أو خوف من احد.
لا اعتقد أن هناك جدوى من ألكتابه حول هذه المواضيع، وأنا ومجبر على قولها والعياذ بالله منها، كنت قد رفعت شعارا منذ أيام صدام حسين هو ( اليوم أحسن من الغد) وها هي الأيام تمضي ويتحقق من خلالها صواب هذا الشعار، وبالتأكيد ان قادم الأيام اسوأ من ماضيها.
حسرة عليك يازمن العيب ففد ذهبت وأخذت كل القيم النبيلة معك.
مقالات اخرى للكاتب