ليس من المفهوم سر العداء بين ( القاعدة ) و فروعها و بين المباني العالية الشاهقة فقد بدأت ( القاعدة ) الأم في هدم تماثيل ( بوذا ) العظيمة المنحوتة في جبال ( افغانستان ) و التي يقدر عمرها بالالاف من السنين و قيل وقتها ان السبب يعود الى احتمال ان يمر شخص مسلم من امام تلك التماثيل العملاقة و يفتن بها ويترك دينه الأسلام و ما فيه من المدارس الفقهية المتنوعة و الكثيرة و من الأختلافات العقائدية و الفلسفية بين تلك المدارس الفكرية و النقاشات المحتدمة بين اساتذتها و التي لا تزال قائمة الى الآن فكيف يمكن لمسلم ان يترك كل هذا الأرث الفكري العظيم لمجرد رؤية تمثال جميل .
بعد ذلك جاءت غزوة ( نيويورك ) التي استهدفت فيها منظمة ( القاعدة ) مبنى التجارة العالمي الشاهق بالطائرات في الحادثة المشهورة و كان تبرير ذلك الهجوم و تدمير المبنيين لانهما رمز الغطرسة الأستعمارية و الطغيان الأمبريالي ومرت السنين و اعيد بناء مركز التجارة العالمي و بقي الطغيان و الغطرسة الأمريكية و لكن ( القاعدة ) لم تعد موجودة كما كانت فقد تشظت الى ( قواعد ) مختلفة .
في عام 2006 دمر فرع ( القاعدة ) العراقي ضريح الأمامين في ( سامراء ) وقتل وقتها اعدادآ غفيرة من الأبرياء في عمليات الأنتقام المتبادلة ,بعد ذلك قام الفرع الأفريقي للقاعدة بهدم المباني التراثية في دولة ( مالي ) و هذه المباني مصنفة ضمن التراث الأنساني الذي يتوجب الحفاظ عليه و حمايته .
بالرغم ان ( القاعدة ) و فروعها تمثل اكثر الحركات الأسلامية تخلفآ و تمسكآ بالماضي السحيق الا ان الأكثر همجية و وحشية هو احد أفرعها المسمى ( داعش ) الذي اشتهر بقسوته الشديدة التي فاقت و تفوقت على باقي الأفرع ( القاعدية ) في ارتكابه الجرائم و الفظائع و ربما يعود ذلك الى ان العمود الفقري لهذا الفرع ( داعش ) هم من الشيشان احفاد القائد المغولي المرعب ( جنكيزخان ) الذي لايزال اسمه ( خالدآ ) في سجلات التأريخ كأحد اكثر الزعماء شراسة و دموية .
فبعد نبش القبور و هدم الأضرحة و المراقد في ( سوريا ) و اقامة المحاكم الشرعية التي لا تحكم بأقل من الجلد او القتل الى قائمة الممنوعات التي لا تنتهي و عادة ما تبدأ بمنع التدخين و الحلاقة الى سلسلة طويلة من المحظورات .
انتقل هذا الوباء الأسود الى ( العراق ) و الى مدينة الأنبياء ( الموصل ) بسرعة لم يتوقعها احد بعد ان تخلى من كان المفترض به ان يكون المدافع عنها فأختفى مهزومآ مذعورآ تاركآ اهالي هذه المدينة العتيقة و العريقة بمفردهم في مواجهة الغزاة البرابرة هؤلاء وبحسب ادعائهم ان قبور الأنبياء و الأولياء اصبحت تعبد دون الله لذلك يجب هدمها اي القبور وليس الذي فوقها من قباب قديمة و مآذن تأريخية فأذا دفن احدهم في هذا الجامع او ذلك المسجد فما ذنب تلك الجوامع ان تزال و تهدم .
لقد دمروا معالم مدينة ( الموصل ) التي تشتهر بها الا و هي جوامعها و مراقد الأنبياء الذين في ارضها دفنوا , لا يعنينا الذي يحدث قربه من تعاليم الأسلام او بعده عنها انما الذي يهمنا هو وقف هذه الأعمال التي يقوم بها الأغراب الذين لا تهمهم هذه البلاد في شيئ و لو كانوا صادقين في دعوتهم هذه فأن قبور الأولياء و غير الأولياء تملء اراضي بلدانهم فلم لا يهدمون تلك القبور هناك بدلآ من معاناة السفر و مشاقه الى بلاد بعيدة من اجل نبش القبور و هدم الأضرحة و المراقد لكن و كما يبدو ان هؤلاء الذين قدموا من الكهوف و خيم الصحراء لا يروق لهم رؤية المباني و المآذن الشامخة انه الحقد التأريخي المتأصل للتخلف و البداوة على التحضر والمدنية .
فعذرآ يا مؤذن الرسول اذا جئت ( الموصل ) اليوم فلن تجد مئذنة يصدح صوتك فيها للصلاة .
مقالات اخرى للكاتب