ان الأختلاف في مفهوم الحكم الأسلامي المنشود بين مدرستي ( النجف و قم ) الفقهيتين ان الأولى ترى امكانية قيام دولة اسلامية يحكمها نائب الأمام الغائب الذي هو ( الولي الفقيه ) و الذي يتمثل في ( آيات الله العظمى ) و الذين سوف ينتخبون واحدآ منهم ليكون قائد الأمة الأسلامية الى حين ظهور الأمام الغائب و هو اي الولي الفقيه سوف يطبق احكام الشريعة و قوانينها على عموم الناس .
اما مدرسة ( النجف ) الفقهية فهي تأخذ بالرأي القائل ان الدولة الأسلامية المرجوة لا يمكن لها ان تكون الا بظهور الأمام المعصوم و قيادته لهذه الدولة و هو الوحيد الذي سوف يملء الأرض قسطآ و عدلا بعدما ملئت جورآ و ظلما و بالتالي انشغل جمهور علماء حوزة النجف وفقهائها بالبحث الديني المحض بعيدآ عن امور السياسة و ترك اساليب الحكم الى اصحابه و تفرغوا لامور الناس الدينية فقط بأنتظار المخلص الذي سوف يقيم دولة العدل الألهي التي لا يمكن ان يقودها الا امام معصوم هو الأمام ( المهدي المنتظر ) حسب رأيهم و اجتهادهم .
ان الأختلاف العقائدي الكبير فيما يخص نظرية الحكم بين الحوزتين و بما ان حوزة ( النجف ) لها المكانة السامية و الرفيعة و لها من الأتباع و المؤيدين الكثيرين و في جميع انحاء العالم و من ضمنها ( ايران ) نفسها فأن اغلبية الشعب الأيراني يتبعون مرجعية ( النجف ) في امورهم الدينية و شؤونهم العقائدية لذلك حاولت ( ايران ) و بكل الوسائل من جر ( مرجعية النجف ) الى معترك الحياة السياسية و اقحامها فيه من خلال ارسال بعض المعممين للاشتراك في العملية السياسية من خلال مجلس النواب كأعضاء فيه و كذلك امكانية الأشتراك في الحكومة كوزراء فيها و كذلك حث السياسين العراقيين المؤيدين لها على زيارة مراجع الحوزة الدينية في النجف و تصوير الأمر على ان تلك المرجعية تؤيد هذا الطرف و تدعمه مقابل رفضها للطرف الآخر بما يشي بتدخل ( المرجعية ) في الحياة السياسية بشكل او بآخر و عندما فشلت بذلك بعدما امتنع زعيم الحوزة الدينية في النجف من استقبال أي شخصية سياسية قد تسجل تلك الزيارات له حسابات و اجندات سياسية و مصالح حزبية , لذلك عملت ( ايران ) على ارسال بعض من علماء الدين المؤيدين لنظرية ( ولاية الفقيه ) الى النجف للاقامة فيها و من ثم وراثة زعامتها الدينية عند موت القائمين عليها الآن من اولئك الذين لا يؤمنون بتلك النظرية و عندها يخلو لهم الأمر للاستحواذ على الحوزة الدينية في ( النجف ) و الحاقها بحوزة ( قم ) كما يحلمون بذلك .
ان مجتمعآ متنوعآ كالعراق يعج بالأديان و الطوائف و المذاهب لا يمكن لنظرية ( ولاية الفقيه ) ان تكون عامل استقرار و ازدهار في هكذا بلد لا بل على العكس سوف تكون مثار للنزاعات و الحروب الداخلية من تلك الأطراف التي لا تقبل بهذه النظرية و لا تؤمن بها لا سيما ان هذه النظرية و دعاتها محصورة في اقلية من مذهب معين في الأسلام لا يقبل بها الجميع .
ان هذه النظرية تعني في صفحاتها تسلط فئة لها اعتقادات فكرية معينة على باقي شرائح و طوائف الشعب العراقي و الزامه بتنفيذ كل توجهاتها العقائدية التي قد لا تتلائم و لا تتوافق مع توجهات باقي افراد الشعب و بالتالي سوف يعود الحكم الدكتاتوري الأستبدادي من جديد و بصورة اكثر عنفآ و دموية من خلال الحكومة الدينية الفاشية .
ان دعم مرجعية ( النجف ) و تقويتها في رفضها لمبدأ ( ولاية الفقيه ) فيه الكثير الذي يحسب لهذه الحوزة الدينية بأعتبارها الخيمة الواسعة التي تضم الجميع و تدافع عنهم على اختلاف معتقداتهم الدينية و آرائهم الفكرية .